الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

بعثرة

يميلُ الإنسانُ صاحِب الذوق الرفيع إلى الترتيب، ويَعتبر هذا الأمرَ أسلوبَ حياة بالنسبة له؛ فتراه يشعر بالارتباك والشتات إذا رأى بعثرة في رفوف مكتبته على سبيل المثال، إن منظر البعثرة يتسرب إلى داخله؛ ويُحْدث له بعثرة في الأفكار والمشاعر، فلا يقوى على التركيز فيما يفكر فيه، أو يرغب في الوصولَ إليه. هناك نوع فريد مِن الناس، يهوى البعثرة بطريقة ما، ويراها طريقاً جميلاً إلى الإلهام والابتكار، لا تهدأ أفكارُه في عقله، ولا تستمر أشياؤه في مكان واحد، يمزج فكرة بأخرى، يقرّب هذه، ويُقصي تلك؛ لتولَد فكرةٌ جديدة، تسأله عن سبب بعثرة محتويات غُرفته أو سيارته، فيجيبك بأنها ليست بعثرة، بل ترتيب بكيفية مختلفة! على المرء أن يتجاوز الخوفَ المستمر مِن الأشخاص أو الأحداث التي تُسبب له البعثرةَ الفكرية أو النفسيّة، بإمكانه أن يعتبرَ ذلك تغييراً للإيقاع الرتيب لحياته، وتجربةً تُثري مشوارَ عُمره، ويبرمج عقلَه على الاستفادة الإيجابية مما يُبعثره، بشرط ألاّ تحوِّل البعثرةُ حياتَه إلى خراب يكلّفه الكثيرَ مِن الوقت والجهد للإصلاح. يا رفيق الحرف، كُن ممتناً وسعيداً بالكلمات والأصوات والمشاهد التي تُبعثرك، ثم تعُود لترتيبك مِن جديد؛ ستشاهدُ معها وجهاً أجمل للدنيا وأكثر إشراقاً، وستكتشفُ أنّ الجميلَ في شعور البعثرة هذا مجيئه إليك من دون مقدّمات، ليطرق بابَك بلا موعد سابق، ويباغتك كمسافر عاد مِن السفر فجأة، وفتَح ذراعيه ليعانقك طويلاً. [email protected]