2018-07-09
ذكر الكاتب الصيني «هاي تشينغ» قصة لاو وانغ الذي صُعق بمنظر قطه وهو يلتقم ببغاء جاره! فضرب القط ليسقط الببغاء، لكنه كان ميتاً.. هرع إلى النافذة يسترق النظر إلى شرفة شقة جاره، فإذا هي مظلمة والقفص مفتوح وفارغ. وقع الحدث كالصاعقة على «لاو» وراح يلوم نفسه ويفكر في حل قبل أن يعود الجار ويكتشف المصيبة. كان الببغاء المحبب يحفظ كلمات معينة ويرددها، لذا فخيار الاستبدال غير ممكن.. وحتى لو اعترف بالذنب فسوف تؤثر تلك الجريمة على علاقتهما بكل تأكيد.
ثم خطرت له فكرة تنظيف الببغاء والتسلل إلى شرفة جاره وإعادته إلى القفص وكأنها ميتة طبيعية! فعلها وانتظر يترقب النتائج. ما لبث أن سمع صرخة جاره... هرع إلى الشرفة مستفسراً: ماذا حدث؟!
«حصل أمر غريب للغاية!! مات الببغاء البارحة فألقيته في القمامة، لكن، أنظر، لقد عاد إلى القفص!
منذ لحظة الميلاد بل وقبل ذلك؛ نتلقى في كل ثانية كماً هائلاً من المعلومات التي تشكل تصوراتنا الخاصة حول كل المواضيع التي نتعامل معها طيلة العمر. في نعومة أظفارنا نبدأ بتلقي المعلومة باندهاش، لأن أغلبها معلومات جديدة لم نعهدها من قبل، فنقوم بتخزينها في أدمغتنا ووجداننا مصحوبة بالمشاعر والأحاسيس والتصورات التي رافقت تلك المعلومة أو نتجت عنها. ويظل المرء منا في تلقي المعلومات الجديدة كل يوم، لكن مع مرور الوقت نفتقد متعة الدهشة؛ لأن العقل اللاواعي شيئاً فشيئاً يقوم منفرداً بالحكم عليها، وتصنيفها ضمن النماذج الذهنية والشعورية التي ترسخت مع الزمن.
قد تكون هذه الميزة العقلية نعمة، لأنها توفر علينا مجهوداً عقلياً ثميناً في إجراء عمليات مكررة ومملة؛ إلا أن الاستسلام لتلك الآلية الذهنية يحرمنا متعة التأمل والاندهاش والامتنان، وغيرها من المشاعر الجميلة والضرورية للإبداع واستمرار الحياة بسعادة. كما أن لاختلاف الثقافات دور مهم في تباين النماذج، والاعتراف بالاختلاف بل واحترامه يكسبنا الكثير من التعاطف والتآلف اللذين تفتقدهما البشرية. فتلك النمذجة الذهنية هي سبب مباشر للكثير من الصراعات، فضلاً عن تحملنا أعباء عاطفية وعناء عملياً غير ضروري لو استطعنا التحرر جزئياً من تلك اللعبة الذهنية.
فالأشياء في أحيان كثيرة ليست كما نتصورها أو تبدو عليها، وما أتصوره أنا حول مشهد أو كلمة ما بشكل سلبي، قد يتصوره غيري بطريقة مغايرة وأكثر تفاؤلاً وإيجابية. (... وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرُ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرُ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
[email protected]