2018-07-09
عزم الرحيل إلى مدينة الولاء، أفرغ جيوبه لصالح الفقراء، وَهَب ثيابه ليحارب الغلاء، ولم يحتفظ إلا بلون الأرض، وقطعة مُخيَّطة تغطي العرض، لم يأكل إلا لكيلا يموت جوعاً، ولم يشرب إلا ماء فائضاً وممنوعاً، فاختفت السوائل من عينيه، وضمر اللحم في وجنتيه، فظهرت على بدنه شبه جثة، وفوق ذقنه لحية كثة، تعلوها ابتسامة رثة، تلتوي بشكل ساخر، كلما مرّ على بذخٍ فاخر، وانحلال زاخر، ونفاقٍ ذاخر، ليعقد حاجبيه اشمئزازاً، ويتأمَّل حاله اعتزازاً، بينما ظلّ أولئك ينوحون موتى القلوب حتى مات الموت نواحاً على نواحهم.
هكذا تصبح الذات خالية من الذات فلا تعود ذاتاً بالذات، مثل قلب خائب خاوي الوفاض، وفكر يرتفع بالانخفاض، فالحقيقة أنه لا توجد مدينة للولاء ولا أخرى للنبلاء أو النذلاء، حيث إننا لا نرى وجود الوجود، ولكننا حتماً نشعر بأنه موجود، تماماً منذ بات الخبث والمكر واللؤم ذكاء، والطيبة والبراءة والتسامح غباء، والمِنّة والتفضّل سخاء، والإسراف والتبذير رخاء، والغيبة والنميمة فضفضة، والخلاعة والإباحة موضة مُفترضة، والسخافة والسفالة والسفاهة والتفاهة فنون، والثقافة والدراسة وحب العلم جنون، والقذف والسب والطعن مهارة، والسرقة والاستغلال والغش شطارة، إلى أن أصبح الفُحش والفسق والعُهر حرية، والقتل تهذيب وتربية.
(مِن هؤلاء) عرفنا (مَن هؤلاء!).
[email protected]