الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

حبسة القارئ

طرأ في بالي تساؤلٌ منذ أيام، يختص بالقرّاء، وطرحته في صفحتي الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، لأرى إن كان لهذا التساؤل إجابةٌ شافية، قبل أن أطيل التأمل فيه أكثر. كان التساؤل ينص على: (هل يصاب القارئ بحبسة القارئ، كما يصاب الكاتب بحبسة الكاتب؟)، ورأيت من خلال الردود القليلة المختلفة تبايناً بين الذي مرّ عليه ما يشبهها، وبين الواقف تماماً ضد الفكرة، لأنه يرى أن التنظيم الجيد للقراءة يمنع الامتناع المفاجئ وغير المفاجئ كذلك عنها. الحكم بوجود شيء مثل هذا، أمرٌ ذاتي محض، فمنا من قد رأى أن جدولة القراءة والتقسيط أو الاعتدال في هذه العملية السامية، يساعد على ممارستها بشكل يومي جيّد، دون التأزم بحبسة أبداً، ومنا - وربما خاصةً أولئك الذين في بداية هذا الطريق، طريق القراءة اليومية ـ من يصاب بهذه الحبسة، لعله لأنه لم يمضِ زمناً طويلاً في ترويض نفسه وتعويدها على عادة القراءة اليومية بعدُ، ولذلك ما زالت نفسه عالقة في عادتها القديمة، ومنا - وقد لا يكون هذا من القراء الملتزمين في الأساس، أو قد يكون من الناظرين إلى القراءة على أنها عملية مرتبطة بمزاجه ـ من لا يبالي بحدوث هذه الأزمة من عدمه. ومنذ قليل، كنت أفكر بكيفية أن يصاب إنسان بالحبسة عن أمرٍ يفعله بإدراك ومحض إرادة من دون تدخل خارجي كالإلهام - رغم اختلاف تعريف الإلهام والإيمان بوجوده لدى الكتاب - إذ إن القراءة لا تحدث بمجرد أن يأتيك وحي ويأمرك بها، وإنما بتخطيط مسبق منك، في حين الكتابة لا تحدث بهذا التخطيط المسبق، لكنها في لحظاتٍ ما قد تأتي بتأثير شديد من الإلهام أو لحظة التجلي، والتي لا يملك فيها الكاتب نفسه، وتبدأ الكتابة عنده في أعماقه قبل أن تحدث على الورقة، ولذلك فهو يصاب بالحبسة ربما، لأنه يكون في وادٍ غير ذي زرع، منبوذًا من قبل الإلهام، حتى يقوّي نفسه أكثر ويبدأ بذبح القرابين أكثر، والتضرّع أكثر، واقتباس نارٍ أكثر، لترضى عنه وتهبه من هباتها ما يعينه على كتابةٍ جديدة. ربما هو كذلك!! [email protected]