السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

ملسون وملسونة

الفكرة الجمعية التي يرددها الناس زمناً طويلاً ويؤمنون بها من أسوأ ما يفعله الإنسان بعقله، لأنها لا تمنحه ميزة الشك والبحث، بل يأخذها على أنها قانون، ويرتب رد فعله عليها بأسلوب غير منطقي. على سبيل المثال لا الحصر، فإن الجملة الشهيرة «لسانه طويل لكن قلبه طيب» أو هو غضوب لكن قلبه أبيض، هذه الجمل كلها على بعضها خطأ فادح، أتدري لماذا؟ لأن نية الإنسان ليست من اختصاصك ولا تنفعك ولا تضرك، بينما فعله وقوله له تأثير عليك، فإذا جرحك أو أهانك أو مارس غضبه عليك، فإنك تتألم وتنكسر نفسك، وعوضاً عن اتخاذ موقف صارم تجاهه فإنك تغفر له بحجة أن قلبه طيب! والأخطر أن المجتمع يمنحه مسوّغاً وجواز سحق للآخرين لأنه مهما تطاول فإن قلبه أبيض! وهذا خلل وجنون وعبث بالعلاقات الإنسانية. إذ لا شأن لنا بقلبك أكان أبيض أم أسود، ولا يهمنا إن كنت في سريرتك تميل للملائكية أو للشياطين، كل ذلك خاص بك أنت، وأنت المعني بمعرفته، أما تعاملك مع الآخرين فلا بد أن يكون مبنياً على الاحترام والمهنية والأدب ورقي الكلمة، ولا يحق لك التجاوز البتة، بل اكبح جماح نفسك المنفلتة، ولا ترمِ غضبك هنا وهناك لأنك واثق من براءة نيتك! وبالمناسبة، الأفعال والأقوال تحكي حقيقة ما يحدث داخل الإنسان، ومن غير المنطقي والعقلاني أن يكون التصرف قبيحاً وتتخيل أن خلفه جمالاً مستتراً! تلك خديعة وتلاعب بالعقول، ولمجرد أننا وجدنا مثلاً أو جملة تتردد وآمنا بها نلغي مسؤولية الإنسان عن نفسه، إننا نزيد من غبائه حين نمنحه مغفرة مفتوحة أمام هذا العصيان والتمرد، إلى الحد الذي يمكن أن تسمعه يقول عن نفسه مبرراً جنونه: «أنا لا أ تحمل، أعصب لكن أنسى بسرعة!». هذا جنون حين يعتقد الإنسان أن بإمكانه أن يجرح الآخر ويفتعل عاصفة من الغضب، ثم يهدأ ليعود كل شيء كما كان! في الطبيعة بعد العاصفة تتغير الأمكنة وتحدث فوضى وحوادث مؤسفة، لا شيء يعود كما كان قبل العاصفة، فلماذا نظن أن عاصفة الغضب لا تخلف وراءها خسائر لا يمكن التعويض عنها! [email protected]