الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

حياة مضغوطة

اطلعت قبل أيام على إحصاءات عن معدلات الانتحار في اليابان، وفوجئت بارتفاعها الكبير، مقارنة بدول أخرى كنا نسمع أن معدلات الانتحار فيها مرتفعة، مثل النرويج، هولندا، نيوزيلندا، سويسرا والولايات المتحدة. قرأت أكثر حول الموضوع فوصلت إلى نتيجة مبدئية، مفادها أن انهماك الشعب الياباني في العمل لفترات طويلة من حياته، ولّد ضغوطاً رهيبة عليه، دفعت نسبة ليست قليلة منه إلى اختيار هذا الأسلوب اليائس للخلاص منها. معلومة غريبة، ونتيجة أغرب .. لا تتسق مع ما نسمعه عن تقدم الإنسان الياباني ووعيه وإيجابيته، والإنجازات التي يحققها كل يوم. حاولت البحث في الموضوع أكثر، فوجدت أن علاقة الموظف الياباني بوظيفته تبدأ بشكل طبيعي وصحي، حيث الرغبة في إثبات الذات، وتحقيق الإنجازات، وبالتالي كسب ثقة المسؤولين، ثم تنحرف بمرور الزمن عن مسارها الآمن، وتصل إلى مرحلة يمكن أن نطلق عليها مرحلة الانصهار الكامل في قالب الوظيفة، بحيث تصبح الوظيفة هي محور حياة الموظف، يدور حولها 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، 30 يوماً في الشهر، وهكذا، حتى يجد نفسه حبيس جدران المؤسسة وممراتها. لكن متى تبدأ المشكلة؟ تبدأ عندما تستمر عمليات معالجة المعلومات والبيانات في عقل الموظف، حتى بعد انتهاء فترة الدوام الرسمي، وعودته إلى المنزل، فتجده جالساً مع أفراد أسرته حول مائدة الطعام، وهو يفكر في مهمة وظيفية لم ينجزها بعد، ونائماً على سريره وهو يفكر في مبادرة سيقدمها إلى رئيسه المباشر غداً، ويقود سيارته في الصباح وهو يفكر في الأعذار التي سيسوقها لتبرير انخفاض عائدات المشاريع التي يشرف عليها أمام مجلس الإدارة الأسبوع المقبل. أي باختصار، أن الموظف يبقى في حالة دوام مستمر لسنوات طويلة، لا يرتاح خلالها حتى في أوقات الراحة وأيام الإجازات، وبعد فترات احتمال وصمود متفاوتة، تنتكس حياته، وينحرف تفكيره عن جادة الصواب. [email protected]