الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نيرودا أشهر مهرب في القرن العشرين

خرجت من عيادة الطبيب إلى مكتبي، كنت لا أزال أفكّر بالألم الذي لم يغادر صدري بسبب تعرضي للفحة هواء، وبسبب تاريخ عائلتي المفخخ بكثرة المصابين بمرض الربو. في المكتب أرسل لي أستاذي وزميلي الشاعر الذي يعد عدته للتقاعد، مقالاً جميلاً لنضال القاسم بعنوان شجاعة شاعر، المقال من فرط وهجه عمد على إخراجي من نشرة الطقس المرضية التي عايشتها طوال الفترة الماضية، حيث أوضح القاسم في مقاله سبب تكنية الشاعر التشيلي بابلو نيرودا بأشهر مهرب في القرن العشرين، حيث جاءت الكُنية بعد قيامه بعملية تهريب فريدة من نوعها قد لا تتكرر، إذ قام بإخراج الروائي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز من المكسيك. والقصة جرت عندما قام السفير التشيلي «ريكاردو نفتالي» في باريس والمعروف بنيرودا، بمخاطرة جريئة بكل معنى الكلمة حيث قام بإعطاء جواز سفره الدبلوماسي لماركيز، ليخرج من المكسيك أمام أعين الشرطة بكل حفاوة. ويذكر القاسم أن ماركيز دخل سراً إلى السفارة التشيلية في المكسيك، وفي داخل السفارة جرت فصول أغرب قصة تهريب لروائي في القرن العشرين، لما انطوت عليه من معان وقيم وجرأة وشجاعة وأخلاق وتضامن، صارت مثلاً نادراً في التقاليد الأدبية والأخلاقية والسياسية، وليس غريباً هذا الأمر على شاعر وإنسان كبير مثل بابلو، كان يعيش الحياة والكتابة في تطابق وعلى مستوى واحد، دون أن يكون الإنسان شيئاً والكاتب شيئاً آخر مختلفاً أو نقيضاً. كان اقتراح السفير التشيلي مجنوناً، ولا يمكن أن يقدم عليه سفير آخر في العالم، بل ربما كانت المرة الوحيدة التي غامر بها سفير دولة بوضع موقعه على حد السيف، والاقتراح هو أن يسافر غابرييل ماركيز بجواز سفر السفير إلى باريس. وكان غابرييل في المطار يعامل من قبل السلطات، ويحتفى به حسب التقاليد الدبلوماسية وما من أحد يشك أن هذا السفير المزور، هو غابرييل ماركيز الهارب الذي تبحث عنه الشرطة المكسيكية في كل مكان، وفي مطار باريس استقبل كما يجب من أصدقاء وكتاب، وقضى تلك الليلة يروي حكاية الهروب التي انطوت على معان أخلاقية سامية. لكن من هو السفير التشيلي المجنون المغامر، الذي منح جواز سفره إلى الروائي المطارد؟ إنه الشاعر التشيلي العظيم بابلو نيرودا. [email protected]