الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

من رياض الصالحين (2)

من أخبار الصالحين ما جاء عن المحدث الكبير أبي زرعة الرازي أنه لما حضرته الوفاة قال بعضهم: كيف نذكره بالشهادة؟ فذكروا له سند حديث فضل الشهادة عند الموت، ففتح عينيه وقال: حدثنا بندار، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا عبد الحميد، حدثنا صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة، عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، وخرجت روحه. فهؤلاء الأئمة جعلوا نصب أعينهم خدمة حديث النبي عليه الصلاة والسلام فحتى عند النزع والاحتضار كانت قلوبهم مُحِبة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أخبار الصالحين ما جاء عن عبدالله بن إدريس وهو من تلاميذ التابعين أنه لما حضرته الوفاة بكت ابنته فقال: لا تبكي، قد ختمت في هذا البيت أربعة آلاف ختمة. ويذكرني هذا الخبر بكلمة جميلة قالها نافع مولى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لما سئل ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. فكانوا على علاقة عظيمة بالقرآن الكريم، لا يغفلون عن تلاوته ويقرؤونه دائماً، رغم أنه بشر مثلنا لديهم أعمال وارتباطات كثيرة ولكن وازنوا بين أعمالهم الدنيوية وأعمالهم الأخروية وجمعوا بين الأمرين، وهذا حال الصالحين، ومن أخبارهم الجميلة أن المروذي تلميذ الإمام أحمد قال له: يا أبا عبد الله: ما أكثر الداعي لك! فقال: أخاف أن يكون هذا استدراجاً. فعلى صلاحهم وتقواهم كانوا يخافون الله، ولا يرغبون بمدح الناس وثنائهم، فمن كانت منزلته عند الله عالية فهو الموفق حقاً وصدقاً ولا يضره كلام الناس عليه، ومن اغتر بمدح الناس وثنائهم وقصر في طاعة الله فعليه أن يراجع نفسه. ومن جميل أخبارهم ما ذكره الحسن بن عرفة: قال لي عبدالله بن المبارك: استعرت قلما بأرض الشام، فذهبت على أن أرده، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه. فقطع عبدالله بن المبارك رحمه الله كل هذه المسافات كي يرجع قلماً استعاره من رجل، فالأمانة شأنها عظيم وليتنا نسير على خطاهم في رعاية الأمانة. [email protected]