الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

صناع الشر والخراب

تعد البوصلة الأخلاقية بمثابة خريطة الطريق التي ترشدنا إلى الصواب والرأي الدينى الأكثر رحمة واعتدالاً فنتبعه، ويصبح تلقينا للدين قائماً على السماحة والاعتدال ولا يتعارض مع الفطرة أو الحس الإنساني، ولهذا فالغلو الذي نحاربه هو التفحش والتوحش ونشر روح الكراهية وتدبير أعمال العنف باسم الدين أي كان نوعه أو مذهبه أو طائفته، وهو ظاهرة تتجاوز التعصب الديني إلى صناعة الشر والخراب وخلق الفوضى. الوسطيَّة تعني العدل والخير.. لكن مفهوم الغلو عند المغاليين هو إلغاء التنوع العقائدي عند الآخر، وبين الطوائف المسلمة، وقد يصل الغلو إلى حد الاستئصال والاجتثاث ووأد المختلف، من حيث إلصاق التهم بالآخر سواء، ومن حيث «البدع المكفرة»، و«حكم الردة والشرك» وصرف الهمة إلى الفروع وبناء الولاء والبراء عليها.. إلخ، ولهذا فهم يرفضون مخالطة الآخر والتعددية، والتعايش مع من يختلف مع غلوهم.. وبالطبع هم من يختارون نوع «البدع المكفرة»، والتوسع في ظاهرة التكفير إلى مرحلة هدر الدماء! هؤلاء المغالون المتطرفون يعارضون قواعد الشريعة في تسهيل وتيسير الأمور كلها، والتزام الضيق على الناس، متعصبين يشكل أعمى إلى فتاوى متعصبة ترفض كل شيء، ويبتعدون عن النصوص والأقوال المتسامحة التي ينص عليها ديننا الحنيف في تعزيز قيم التعايش بين الديانات والثقافات والحضارات الإنسانيَّة. إن أفراد الجماعـات الدينية السياسية التي تغرق فب التطرف والغلو، هم خصوم لفكرة المواطنة الصالحة، والبيئات المتسامحة.. وهذه الإفرازات هي نتاج غياب الروحانية والأنسنة والأخلاق، فهي معطيات جديدة من الجفاف الروحي، تتجلى بالفراغ الأخلاقي الذي أفرز والعنف والجلافة في تدمير المساجد ودور العبادة. من الأهميَّة بمكان ملاحقة الظروف التي أنتجت طبيعة التحولات للجماعات المتطرفة، وقطع كل شريان الحياة لهذه الظاهرة، وأهمها كان حينئذ عندما تم تأسيس منابر دعويَّة إعلاميَّة براقة، فكانت معاول هدم وتحطيم، تجلت بظاهرة «المفتي النجم» الذي يعدُّ خطراً على الدعوة، حيث يملك الصلاحيات لتنوب في نشر الفتاوى الضالة، واستصدار الأحكام الإرهابيَّة! من يكتوِ بنار التطرف والإرهاب يعرفْ تماماً أن من تطاول على الثوابت والأخلاق والقيم الكبرى وعمل على هدمها هم قنابل موقوتة لمجتمعهم، وهذا الفكر منقطع الصلة عن ملاحقة تجربة الإنسان المعاصر نحو البناء والتنمية والتطور، والتفوق الاقتصادي، والتنمية المستدامة، والانفتاح على الثقافات، وتدينهم منافٍ لنموذج العيش من أجل الحياة الحديثة والكريمة، المتوافقة مع عصرهم الحاضر، بعد أن أسهموا في نشر الظلم والقتل والصراع الطائفي. [email protected]