السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

طعام أمي مدرسة

لم تعد أمي تطبخ لنا منذ أربعة أو خمسة أعوام فقط، بعد أن أنهت حياتها كلها في العيش تحت ظلنا، كنت أظنها سيدة وأماً صغيرة في العمر، لم أكن أعرف تحديداً كم عمرها، حتى بدأنا نعتاد الدخول إلى المستشفى، وبعد أن لمحت عمرها خفية، في سوار المستشفى الذي يوضع دوماً على يد المريض حينما يدخل أولاً إلى غرفة الطوارئ، وبعدها يقرر الطبيب إلى أين سوف يتم نقله. لقد اكتشفت أن أمي كبرت، وأنني كنت أراها على الدوام شابة صغيرة، أنا أيضاً كبرت، لكنني لم أعلق على أمر تقدمي في العمر، لأنها لم تغير معاملتها معي بشكل مطلق، هكذا اعتدت عليها منذ أن فتحت عيناي على العالم، لم تتغير ولو برهة بسيطة، فقط كنت أكبر وكنت أظنها الأم التي لن تمرض أو تتألم أو تصاب بأي شيء، لا سمح الله. أول الانتقال من صورة إلى أخرى، حينما وجدت أمي نفسها من الصعب أن تقوم بإعداد الطعام لنا، لقد كنت حزينة جداً، لأنني سوف أفتقد الوله الذي اعتدت عليه، أن أقول لها بصوت مرتبك وأحياناً يطير من الفرحة «تسلم إيدك»، كإشادة لما قامت به، كنت في مراهقتي حينما أنتهي من الطعام، أتساءل متى يمكن ألا أستطيع أن أتناول طعام أمي؟ لم أكن أتخيل أن هناك أكثر من حياة تنتظرني، وحينما بدأت السفر وحيدة أو برفقة الصديقات وبنات العمومة، كنت أشعر بالخوف ألا أستطيع أن أتناول طعام أمي مرة أخرى، كانت أحياناً تطفر دموعي رغماً عني، هل يمكن أن عيش بعيداً عن طعام أمي؟ الطعام لم يكن إلا وسيلة للتعبير بيني وبينها، هو الجسر الذي يربطني بها، والفرصة الوحيدة لكي أشيد بجمال كل شيء تصنعه، حينما كبرتُ تجاوزت هذا الخجل، صرت أقول لها إنها جميلة، حتى وهي لا تستطيع الحراك من على فراشها، صرت أغازلها كصديقة وكحبيبة، وتعلمت كيف أجيد الطبخ كما تفعل، لأنني لا أريد أن ينتهي هذا الرباط الدائم الذي التف بي منذ طفولتي حتى أصبحت أكبر من العمر الذي أتخيله. الأبناء الجدد لم يعيشوا أي قصة حب مع طعام أمهاتهم، هذه علاقة لا يمكن أن تتكرر في حياة أي إنسان، ولكنها تكررت معي. [email protected]