الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

المساواة ليست عدلاً

كل زمن يحتاج إلى منظريه وفلاسفته، فمن الخطأ أن يركن أصحاب التيارات السياسية إلى القدماء مهما أثبتت رؤاهم صدقيتها وفائدتها في أزمنتهم، أو حتى في الأزمنة التي تلي زمنهم بقليل! مثلاً.. لو ظهر زرادشت في زمننا هذا لقيل عنه مجنون يجنح إلى العزلة، لكن زرادشت نفسه لم يظهر، بل ظهر مريدوه الذين لا يختلفون عن من رأوا ثوب الحاكم السحري الذي يراه الأذكياء فقط! لكل زمن، ولكل بقعة من الأرض فلسفة وفلاسفة وبالتالي أيديولوجيات. إن التمنطق بمفاهيم كالوعي، الغياب والعزلة، الأخلاق وهوس التصنيف، ثم محاولة تفنيده، والانخراط في ثورات الجياع في زمن التخمة، والمناداة بعدم تكميم الأفواه في زمن الفضاء المفتوح، هي قضايا ثورية لا تليق بهذا الزمن حتى وإن تبجح بها المتبجحون. فهذا زمن يليق به المضي نحو الأفق، لا الصوت العالي فوق المنابر، ولا البحث عن كسرة خبز هي (الترند)، ولا حتى فكرة المساواة، فالمساواة ليست إلاّ صورة من صور الظلم الذي يرتدي قناعاً وردياً مبهجاً، لكنه في الأصل أبشع الأقنعة. من الصعب أن تغير قناعات كثير من الناس درجوا على أن المساواة رديف للعدل، والديمقراطية رديف للحرية، بينما الديمقراطية في بعض الدول شكل أوسع ومنظم من أشكال الظلم، إذ يخضع الأقلية حتى لو كانوا أفضل لظلم الأكثرية، أما المساواة فحدّث ولا حرج، حيث باتت شماعة تعلق عليها جميع إخفاقات الفرد. مثلما الديمقراطية المطلقة جناية على العالم، كذلك يساريو هذا الزمن .. إنهم ملوك الفوضى، حيث معاييرهم خاصة ومتأرجحة تجاه شرعية حكوماتهم، فهم مع الهوى حيث يميل. [email protected]