الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

اختفت الإبرة الغشيمة.. ولكن!

كانت الصناعة في الماضي بأدوات وآلات بسيطة، لذلك فإنها لا تخلو من أخطاء، فقد كنت عندما تشتري إبراً للحياكة، قد تصادف إبرة لا عين لها، وذلك ناتج عن خطأ من آلات التصنيع، فقد مرت عليها دون أن تثقبها، حينها كانوا يسمونها «إبرة غشيمة»، لأنها لن تتمكن من أداء الدور الذي وُجدت من أجله، فأصبحت غير منتجة، وبلا دور أو وظيفة تبرر وجودها. ولأن أشغال الإبرة في الماضي كانت من مهام المرأة، فإن المرأة التي لا تجيد التطريز، أو الخياطة، أو حياكة الصوف «التريكو»، أو مشغولات «الكروشيه»، تصبح تماماً كالإبرة الغشيمة التي لا تؤدي دورها الذي خُلقت من أجله، فقد كانت النساء في البداية مسؤولات عن العناية بلباس أبنائهن، وبعمل الستائر، وأغطية الأسرَّة والمقاعد، ومفارش الطاولات، وكلما كانت المرأة أكثر مهارة، كان أبناؤها وبيتها أكثر أناقة، وبناتها ينعمن بإقبال ممن تبحثن عن عروس لأبنائها. في زمن متقدم، أصبحت أشغال الإبرة «وجاهة»، فقد انتشرت بين نساء الصالونات، حيث يجلسن بفخامة وفخر، وهن يطرزن أطراف المناديل بتباهٍ، وبجلسة تفيد بعلو نسب المرأة وعراقة منبتها، بينما هنّ يتسامرن ويتبادلن أطراف حديثٍ أنثويٍ رقيق. وأشغال الإبرة ليست فناً فحسب، بل إن أثرها أشبه بأثر اليوغا، فهي تجلب هدوء النفس، وتمرن النظر، وتمرن الأصابع على الدقة، وتصفي الذهن من المشاكل الحياتية، وتأخذ المرأة بعيداً عن التوتر. لأشغال الإبرة طقسية، وغرام، وهي تولد الإبداع والتحدي، والإحساس بالذات مع وجود المنجز التي تنتصر فيه النفس على ضعفها، لكنها أصبحت نادرة، ففي عصرنا اختفت الإبرة الغشيمة، لكن صارت الكثير من النساء غشيمات، فحرمن أنفسهن من الهدوء الذي تمنحه أشغال الإبرة، وفقدن متعة لا تُضاهى. [email protected]