الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

فاقد الثقة لا يعطيها!

في لقاء تلفزيوني قبل أيام شاركت في حوار شيق حول أهمية الثقة للمؤسسات وأثرها في رفع مستوى الأداء. تلقيت بعدها العديد من التعليقات التي دلت على عمق المشكلة وتجذرها في واقع العديد من المؤسسات. ولدي اعتقاد راسخ أنه رغم أن فقدان الثقة هو نتيجة لأسباب متعددة؛ إلا أنها تتسبب بالكثير من المعاناة النفسية للعاملين وارتفاع معدل تسرب المواهب وأيضاً هدر الموارد وتفويت الفرص. بل يرى كبار رجال الأعمال أن انخفاض الثقة يعتبر أخطر مكابح السرعة والتي هي من أهم أدوات التنافسية العالمية. لكن من جانب آخر أعتقد أن الحديث المطول والمكرر عن أهمية الثقة لن يجدي نفعاً ولن يجد صدىً لدى المعنيين بمنحه والاعتماد عليه كسلوك تنظيمي؛ ما لم يقتنع المسؤول الإداري ويتحلى به أولاً. فالمهزوز والمرتاب هو في العمق فاقد للثقة بنفسه وقدرته على الإمساك بزمام الأمور والسير بالسفينة إلى بر الأمان. لذا يصعب عليه أن يمنح غيره شيئاً لا يملكه ولم يذق طعمه قط. لذا أتوقع أن البداية الصحيحة للقيادات الإدارية التي تود تطبيق منظومات عمل مبنية على قيمة الثقة أن تطبق ثلاث خطوات؛ تؤمن بأهمية الثقة وأثرها الحاسم في تحسين الأداء، ثم تختبر قدراتها وتكتشف الفجوات المهارية والمعرفية التي تحتاج إلى ملء والعمل على ذلك، وأخيراً؛ العمل الجاد لتحقيق الإنجازات والنتائج التي تزيدها ثقة بنفسها وتقنع الآخرين بالثقة بها. ثم تنتقل تلك القيادات الإدارية «الواثقة» إلى ترسيخ مفاهيم الثقة بين زملاء العمل من خلال التعاون والاعتماد المتبادل والتواصل الفعال. ثم بناء الثقة بين الموظفين والمشرفين المباشرين معتمدة على التعامل الأخلاقي، الكفاءة، الانفتاح، الرعاية، الدعم، والعدالة في التعامل والتقييم. وعن طريق سلوك المشرفين المباشرين يمكن بناء المستوى الثالث والأخير من الثقة مع الإدارة العليا من خلال اهتمامها بالاستقرار الوظيفي واعتمادها على نظم تشاركية مرنة وعادلة وقائمة على معايير واضحة للأداء والتقييم والمكافأة. من جهة أخرى؛ يتخوف البعض من اعتماد الثقة كأساس للتعامل المؤسسي. وأعتقد أن ذلك إما بسبب أنه يمنحها دون مقدمات كالتي ذكرتها. أو يطبقها قبل إرساء قواعد واضحة بشأن الأداء المتوقع، مؤشرات القياس، ونظم التقدير وعواقب التقصير. لكن وبعد كل هذا وذاك؛ قد نجد من يسيء استغلال الثقة، لكن على المؤسسات الرصينة أن تتذكر دائماً أنها لا تضع نظمها وفقاً لتصرفات شاذة، وبالتالي لا ينبغي لها أن تعاقب الغالبية الملتزمة بجريرة حفنة من المخالفين. [email protected]