الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

عندما يختفي الوعي

لا تخلو الحياة أحياناً من الصخب، ومن الطبيعي أن الأجواء تكون مشحونة بالعوالق، وبين هاتين هناك زوايا تنعم بالهدوء والشاعرية والرومانسية، وكذلك جيوب نظيفة وناعمة وفيها نسمات عليلة وصحَّية. الإنسان يحتاج إلى مُحَفِّزين لا إلى مُحَبِّطين، والبعض سالك في الحياة، لكن تنقصه دَفعَة مُحِب أو مستشار، كما أن تجارب الآخرين والاستفادة من إيجابياتهم ديدن الأذكياء، وتجاوز سلبياتهم هي صفة العقلاء. هناك مصابيح يرى صُنَّاعها أنها ذات جودة وتضيء طريق التائهين، لذا فالعبارات التي تحمل في مضمونها إضاءات ودلالات تصب في مصلحة تحريك العقل وعمل القلب، هي مفتاح لا يمكن إغفاله. الغنيون بكامل الدسم «الأخلاق»، هم من يحملون صفات الفطرة التي تغذي حاملها بمعانٍ سامية وفكرة راقية وثقافة عالية وحس مرهف وتقدير غير مسرف، فمن تلوث بفطريات مُعدية سببتها عوامل التعرية الدنيئة، كالشجع والطمع والغرور والكِبر والقسوة، نجده تجرَّد من صفات أهل الشيم وأخلاق الإنسان على وجه العموم. انفصال الإنسان عن أهم ما يجري في العالم المحيط به، والانشغال بتوافه الأشياء القريبة منه جداً، وتجاهله لأنواع الثقافة والمعارف والتنوير، يُعد ضياعاً للهوية الفكرية، إذ إنه يتوقف تماماً عن تحريك العقل وملئه بالمعلومات التي تضيء دربه، وبها يستطيع اتخاذ القرار قبل الوقوع في عثرات قد تجر عليه ويلات مستقبلاً. قلما تجد مشاركة في عالم الإنترنت إلا وتجد تحتها جموعاً منزوعة الوعي واللباقة والذوق والرأي الهادف، وهم فعلاً أشبه بميليشيات مسلحة بالكلام، هذه الحالة الجنونية لأولئك، نابعة من عُقَد نفسية، أو أمراض عقلية، يفرغونها في قالب وحشي يستقبلها صاحب الشأن «وهو بين مفتَرَقين»، إما أن يُعرض ويزداد قوة، أو أن يتسرب إليه فيروسهم «فينكمش». من أشد الأخطار المحدقة في حياة الإنسان غياب الوعي العام، وهو الإدراك أو الإلمام بالمجريات، وكذلك القدرة على تمييز الصواب من بين الأخطاء، والتحكم في إيقاف التسرّع والانفلات، فالحصيف هو من يستطيع موازنة الأمور على ميزان العقل والمنطق، لأن الحياة عبارة عن مسار لا يحتمل الأخطاء الفادحة، صحيح قد يتخلل تلك الحياة الطويلة عثرات، لكن هناك عثرات تُتَجَاوز وهناك أخطاء تُدَمِّر. هناك مجتمعات تحتاج إلى الوعي المؤسسي في كل مناحي الحياة، على صعيد المعتقدات والقوانين والحقوق وحتى في السياسية، لذا فالوعي هو مطلب مؤسسي وفردي ولا يُعذر أحد بتجاهله أو تغييبه. [email protected]