الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ماذا فعلت بنا الرادارات؟

في مطلع التسعينيات كنت عائداً من دبي مع مجموعة من الأصدقاء، وأثناء سيرنا على طريق أم القيوين القديم لمحنا سيارة رياضية تتدهور بسرعة، وتتطاير منها مجموعة من الأجساد، انعقدت ألسنتنا عن الكلام لحظتها، وتوقفنا بالقرب من موقع الحادث مثلنا مثل غيرنا، وعندما ترجلنا، واقتربنا من السيارة المتدهورة، رأينا مشهداً دموياً مرعباً لا أرغب في نقله إليكم. مثل هذه الحوادث الدموية كانت تتكرر أمامنا باستمرار، ولا يكاد يمر أسبوع حتى نرى حادثاً أكثر دموية من الذي قبله. شباب في عمر الورد فقدناهم بسبب هذه الحوادث، وكانت الصحف والقنوات التلفزيونية تضج بعد كل حادث مروع بالمقالات والبرامج الناصحة، لكن دون جدوى، فضعف أدوات الرقابة على الشوارع أيامها كان يتيح المجال للشباب للقيادة بسرعات جنونية على شوارع ضيقة من حارة وحارتين، ولكم أن تتخيلوا دموية الحوادث التي تقع في مثل هذه الظروف. اليوم الحوادث لم تنقطع بالطبع، لكننا لم نعد نشاهد مثل تلك المشاهد المرعبة، ومعدلات الحوادث مقارنة بأعداد السيارات انخفضت بشكلٍ ملحوظ، والنسبة الكبرى منها تصنف ضمن فئة الحوادث البسيطة والمتوسطة، التي لا تتسبب في وفيات أو إصابات جسيمة، ولله الحمد. والفضل في ذلك يعود إلى مجموعة من العوامل، منها التطور الكبير في البنية التحتية، وارتفاع مستوى وعي السائقين، وتطور أدوات الرقابة على الشوارع، وتأتي في مقدمة هذه الأدوات الرادارات والكاميرات. قد يعترض البعض هنا، ويقول: إن عدد الرادارات والكاميرات كبير، وقيمة المخالفات مرتفعة، هذا صحيح، لكن هذا الانضباط الملحوظ الذي نراه اليوم ما كان ليحدث لولا هذه الصرامة في الرقابة والعقوبات، وهذه طبيعة بشرية لا ترتبط بمجتمع بعينه، بل تشمل جميع البشر، لا ينضبطون إلا عندما تكون الرقابة شديدة، والغرامات موجعة. [email protected]