الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ما الذي يجعلك ترى؟

يبدو السؤال بديهياً جداً في شكله الأول، قد تكون صاحب نظر حاد أو هي نظاراتك التي لا تتخلى عنها أبداً أو هي تلك العدسات الأخرى التي قد لا يدرك وجودها إلاك وأنت تضعها صباحاً وتخلعها قبل النوم، لكن الأمر ليس على هذه البداهة وليس بهذا الشكل أيضاً.. فما يجعلك ترى فعلياً؟ من دون أن تكون بينك وبين الرؤية النافذة أي وسائط من أي نوع، لأنه ببساطة سيمكنك من تمام الرؤية حتى وعيناك مغلقتان تماماً.. حتى لو تمكن منك العمى. يقول الفرنسي مارك أوجيه في أحد تأملاته البحثية «ثمة في العالم المحيط بنا، والموجود في كل واحد منا، مناطق تقاوم البداهة، هدف الرحلة، وهدف البحث الأدبي، يجب أن يكون أحياناً استكشاف مناطق المقاومة. فهي موجودة فينا وخارجنا في آن»، إن ما يجعلنا نرى فعلياً إذن وبغض النظر عن الأمثلة التي خصصها «أوجيه» لذلك فيما يتعلق بالارتحال الاستكشافي والبحث الأدبي المعرفي العميق والحقيقي، ما يجعلنا نبصر بحق هو ما يجعلنا نرفض كل البداهات المباشرة حولنا، ما يعلمك كيف تفكك القائم، معنوياً، لتفهم، لا لتستقبل فقط. يحب الناس البديهيات، لأنها تمنحهم شكلاً مخادعاً من أشكال الطمأنينة، إنها مغوية جداً، وكل ما عداها يربك لأنه يجعلهم يدركون مدى عدم جدوى البصر الحاد أو النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة، إنه خوفٌ من عجزهم المباغت، المتجسد على هيئة شيء لا بديهي، غامض، ولعلنا هنا ندرك بأسى أنه على الرغم من أن المجهول الغامض الذي نخشاه اليوم كان هو الدافع الحقيقي لحركة الإنسان الدؤوبة سابقاً على مستوى الفكرة، إلا أننا اليوم ورغم كل ممكنات سبر المجهول، رغم كل ما يجعله أليفاً ملازماً لنا منتظراً استكشافه، ينتهي بنا الأمر مفضلين الرؤية الناقصة، البصر المطمئن الفارغ. تصيبنا الدهشة اليوم أقل لأننا بتنا نرى أكثر بكثير مما ندرك فعلياً، وعندما نتحدث عن الإدراك هنا فإننا نعني ذلك الذي يورث الدهشة لأنه يستشعر من التفاصيل أعمقها، يبصرها، ولذلك أيضاً فإنك كلما وجدت نفسك قد أخذت تميل لطمأنينة البديهي، اسأل نفسك عن الذي لا يرى مقابل كل ما يرى بوضوح، وتمسك بشجاعة الخوض في ذلك العمى، لأن الرؤية الحقيقية، هي شكل من أشكال القوة المستدامة؛ مقابل تلك السهلة الهشة منها، وهي في الموضع الأهم من ذلك شكل من أشكال إرادة الحياة، بإدراك المدهش الحيوي فيها. [email protected]