الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

لا تأخذ إجازة

«لم أتذكر في حياتي أنني أخذت يوماً واحداً كإجازة، لأنني كنت لا أتوقف عن العمل حتى في الإجازات، نحن جيل عمل دون توقف». هكذا بدأ محاضرته عن قيمة العمل لأبنائه المتناثرين أمامه في صالة المنزل، الذين كانت أعينهم مستنكرة، ولسان حالهم يقول «ولأنك لم ترتح يوماً، فإنك تتعبنا كل يوم، هل هذا انتقام يا أبي»! يقاطع المحاضرة أحد أبنائه الذي خرج من غرفة نومه، متأبطاً فراشه، يحمل في يده فنجان شاي بالعسل وكيس أدوية. «كيف خرجت من غرفة النوم، ألم تكن في عملك اليوم»؟ بادره الأب بالسؤال. «أبي، إنني مريض وأحتاج للراحة، وقد قرر الطبيب أن أبقى في المنزل وكتب لي إجازة مرضية». تغيرت ملامح الأب، بدا عليه الانفعال، «كنا نذهب للعمل ونحن نعاني المرض والتعب، لكنكم جيل غير صلب ومتهاون». تناول الابن رشفة من فنجانه، وبصوت رخيم هادئ رد عليه «أبي، إنني مدير، ولدي فريق عمل أوكلت إليه مهام ومشاريع. لا أريد أن أنقل إليهم مرضاً وأضيع وقتهم ووقتي، وبدل أن أغيب أنا وحدي يغيب فريق كامل. البقاء في المنزل في بعض الحالات يا والدي ضرورة لا رفاهية، وقوانين الإدارة الحديثة والموارد البشرية التي أقرت مجموعة من الإجازات والتفرغات المختلفة للموظفين لم تضعها إلا لتحسين بيئة العمل وتحفيز الموظف على الإنجاز وتقديم الأفضل والأكثر جودة. ما الفائدة من وجود الموظف طوال العام في مقر عمله إن لم يكن قادراً على العطاء والإبداع والإنتاج الحقيقي، ولماذا ندعم الأفكار التي تعزز استنزاف الإنسان لنفسه وطاقته على حساب حياته وصحته ودنياه وحتى آخرته؟». لا تأخذ إجازة «ليست إجازة»! الإجازة «هروب» بكل ما للمفردة من معنى، من العمل، المنزل، روتين الحياة إلى أغوار النفس، لتصفيتها، لإعادة ترميمها، لـ «تلميعها» وإعادة استكشافها. [email protected]