الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

دالي الملك المطلق

في صيف العام الماضي قضيت بضعة أيام في مدينة برشلونة الإسبانية، قررت صديقتي أن تكون رحلتنا تاريخية، وألا نترك شبراً إلا ونضع عليه أقدامنا، وأول ما بدأنا به هو زيارة «كاتلونيا» القديمة، المدينة جميلة للغاية، يروق لي البحر، والشعب الذي يشبهنا بعدم مبالاتنا بالأمور، وقد زرنا معرض الفنان العالمي بابلو بيكاسو، بدا واسعاً للغاية، ويبدو أن الحكومة قد أولت الفنان ما يستحقه وأكثر، استمتعنا ونحن نتجول بين أرجائه، واشترينا بعض التذكارات المعروضة حتى نحتفظ بذكرى لهذه التجربة الثرية. سألتنا إحدى الموظفات عمّا إذا كنا نريد زيارة معرض الفنان سلفادور دالي. سريعاً تذكرت شاربه، وجنونه، واعتزازه العظيم بذاته، ومدى حبه لزوجته «غالا»، كما تذكرت أنني سألت ذات يوم الإعلامي اللبناني الشهير زاهي وهبي عن سبب تسميته لابنه بـ «دالي»، فأجابني بتهذيب شديد بأنه من المغرمين بالفنان التشكيلي سلفادور دالي، ولهذا اختار لابنه اسمه الأخير. لم تكن هناك مسافة بعيدة بين المعرضين، حتى إننا ذهبنا مشياً على الأقدام للوصول إليه، وما إن وصلنا إلى معرض سلفادور دالي، حتى وجدنا أن هناك اختلافاً واسعاً في المساحة، فقد كان معرض دالي صغيراً للغاية مقارنة بمعرض بيكاسو، ولفت انتباهنا وجود أريكته الشخصية التي جاءت على شكل شفاه حمراء، التقطنا الكثير من الصور أمام الأريكة، وخلال دقائق كان مشوارنا إلى معرض دالي قد انتهى. ظللت أفكر طويلاً في الكيفية التي فكر فيها رؤساء البلدية، في التفرقة الواضحة والعلنية بين أشهر فنانين خرجا من إسبانيا، وصنعا لغة فريدة في الرسم التشكيلي، وقلت لنفسي: ماذا لو علم دالي بما يحدث؟ لربما قتل نفسه، فقد كان طفلاً مدللاً للغاية، وكان يقول في سيرته الذاتية المكتوبة (الحياة السرية): «كنت الملك المطلق في البيت، وليس هناك ما هو جيد بما يكفي بالنسبة لي، وكان والداي يبجلانني، وحصلت في يوم احتفال الملوك على الكثير من الهدايا، من ضمنها زي ملكي متألق، وتاج ذهبي مرصع بأحجار كريمة، وعباءة من فرو القاقم، وقد عشت منذ ذلك الحين متخفياً بهذا الزي بشكل دائم تقريباً». لكن ما استوقفني آنذاك قوله «التواضع ليس من شيمي». ترى ماذا لو رأى الفرق بين متحفه ومتحف بيكاسو؟ هل سيخلع زيه الملكي؟ [email protected]