الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

اللغة في الذهن

هناك وجهة نظر مثيرة تنظر إلى اللغة باعتبارها وسيلة للتفكير قبل أن تشكل شكلاً من أشكال التواصل، فلكي تغادر الأفكار حيزها الذي نبتت منه بعد تأمل ما، بعد سماع صوت، بعد انتباهة لحركة ما أو ما يرتبط بذلك من ملاحظة العالم والانغماس فيه لتحليله، تتشكل الفكرة هناك في الذهن، ولكي يدرك الذهن تشكلها استوجب الأمر أن تكون اللغة حاضرة باعتبارها جزءاً حيوياً، لتمنح الفكرة شكلها الأول الذي ستبنى عليه لاحقاً سلسلة متكاملة من الأفكار التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات، والتي جعلته وتجعله دائماً في حالة حراك حيوي مستمر ومتغير بتطور الفكرة ولغتها الذهنية المصاحبة. لكن ماذا عن اللغة باعتبارها الوسيلة الأبرز للتواصل؟ كيف جاء الكلام إذن ليكون شكلاً من أشكال ربط الفكرة بالأخرى بين كائنين، أظنني عندما تأملت اللغة باعتبارها شكلاً من أشكال التفكير وجدتني أفكر في إمكانية أن يكون الكلام جاء بصفته شكلاً من أشكال المتع البشرية، لقد خلق الصوت بهجة ما بعد الغرابة، بهجة كسر الصمت، ثم جاءت اللغة التي خزنها الذهن لتجعل ذلك الصوت مفهوماً ومعبراً، ومن ثم عابراً من كائن لآخر، ومن ثم في مضمونه مكملاً للأفكار من ذهن إلى آخر. لعل الأمر الأهم الذي يستحق مزيداً من التأمل هنا، هو أننا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار اللغة باعتبارها شكلاً للتفكير فعلاً، نكون قد ملنا لنصبح أكثر تأنياً في دفع اللغة تلك على هيئة كلمات، أو نكون قد أدركنا أن ما يجعلنا كائنات ناطقة وتحتل تراتبية أعلى هو ذلك التفاعل الحيوي الذي يجب أن يتكون بصبر وروية في الذهن قبل أن تتدافع الأصوات من الفم من دون ذلك المعنى العميق الصادق. ولعلنا نستطيع ونحن نقف على هذه النقطة أن نضع احتمالاً وسؤالاً معاً عن ماهية سوء الفهم المتفاقم في هذا العالم لكبير التفاصيل وصغيرها، فهل الأمر هو مشكلة في التواصل أم أنه قد يكون خطأ في استيعاب الماهية الأصيلة للغة الذي انتهى بعدم منحها وقتها الكافي للاختمار في الذهن واستعجالها لإثبات قدرتنا على التواصل والتعبير وتفوقنا فيه؟ لكن أيضاً؛ ما هو التواصل فعلاً إن لم تكن في نواته مجموعة من الأفكار التي تستند إليها تلك اللغة التي نريد لها أن تستمر باعتبارها شكلاً من أشكال البناء الخلاق لا الفوضى التي نراها في كل ما حولنا من كلمات وصخب عشوائي. [email protected]