الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

ألزهايمر .. صديق والدي

منذ مراهقتي المبكرة جداً، كنت مدمنة على قراءة كتب السير الذاتية، لا أظن أن سيرة ذاتية مترجمة أو مكتوبة باللغة العربية لم أقرأها، كنت شغوفة بمعرفة حيوات الآخرين، أتذكر جيداً حينما قرأت ذات مرة عن ما كتبته ابنة الفنانة الهوليوودية الشهيرة ريتا هيوارث، التي اعتبرها الأمريكيون إلهة الجمال البشري على الأرض، وقد تزوجت من الأمير علي خان ابن السلطان محمد شاه، وأنجبت منه ياسمين، تلك التي تحدثت عن معاناة والدتها مع مرض الزهايمر، لم يكن في ذلك الوقت أي منا قد سمع بهذا الاسم، فقد تعرفنا عليه تحت مسمى «الخرف الذهني»، وهو عادة ما يصيب كبار السن، في ذلك الوقت كتبت ياسمين أنها لا يمكن أن تترك والدتها بمفردها، فهي لا تستطيع أن تفرق بين السكين وقطع الثلج، وكان بإمكانها أن تقطع أصابعها، لأنها نسيت تماماً كيف لها أن تستخدم السكين، بل إنها لا تعرف ماذا تعني السكين وكيفية العمل بها. توقفت طويلاً أمام ما قالته ابنه الفنانة هيوارث، وتساءلت أي مرض ذاك الذي يجعل المرء لا يمكنه أن يفرق بين الأدوات الحادة وبين الماء والنار، في حقيقة الأمر تفاعلت مع ما قالته ياسمين، ولم أكن أتصور أنه سيأتي اليوم الذي سوف أعيش فيه دوامتها، كما حدث لي مع والدي حينما أصيب بمرض ألزهايمر، الأمر في غاية الصعوبة بل أصعب مما تتخيل أو حتى تتصور، أن يعيش معك أحد من أفراد أسرتك طوال حياتك، وفجأة يفقد ذاكرته، حيث لا يعود يتذكر حتى اسمه، ولا يمكنه أن يتعرف عليك أو على بيته، الذي قام على بنائه طوبة ... طوبة، ويصرخ طويلاً في الليل والنهار راغباً في العودة إلى بيته، بل إنه يترجاك بأن لا تحرمه من فرصة رؤية أبنائه، رغم أننا جميعاً كنا حوله، أي وجع كنا نعيشه مع والدي، يرحمه الله. حينما صنف مرض والدي بأنه ألزهايمر، ارتاح قلبي فلم أكن أعتقد أن الذاكرة مهمة لهذه الدرجة، شكرت الله كثيراً أنه لم يصب بأية أمراض أخرى، ولكن بعد معاناة قاسية لأكثر من أربعة أعوام، أستطيع أن أقول إن من يتألم ليس مريض ألزهايمر، إنما من يعيشون حوله، إنهم يذوبون ألماً في كل ثانية ودقيقة، ألهذه الدرجة تبقى الذاكرة مصدراً مهماً لبقائنا؟! [email protected]