الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

هذا المفتي هو من نريد

المفتي، صاحب البصيرة، يختار مِن جملة الأقوال الفقهية ما يراه أكثرَ تحقيقًا للمقصد الشرعي، وقد يتعمَّد تضييقَ مساحة أحكام الفتوى الواسعة؛ لتحقيق مقصد شرعي معين.. يذكر الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي، المتوفى عام 885هـ، في كتابه (التحبير شرح التحرير في أصول الفقه) أن الإمام يحيى بن يحيى بن كثير الليثي، صاحب الإمام مالك، وإمام أهل الأندلس، أفتى بعض ملوك المغاربة، وهو الأمير عبدالرحمن بن الحكم الأموي، المعروف بالربضي، صاحب الأندلس، وكان قد نظر في شهر رمضان إلى جارية له كان يحبها حبًّا شديدًا.. فلم يملك نفسه أن وقع عليها، ثم ندم ندمًا شديدًا، فسأل الفقهاء عن توبته وكفارته، فقال يحيى بن يحيى: تصوم شهرين متتابعين، فلما بدر يحيى بذلك، سكت بقية الفقهاء حتى خرجوا؛ فقالوا ليحيى: مَا لَكَ لم تفته بمذهب مَالِك، وهو التخييرُ بين العتق والإطعام والصيام؟، فقال: لو فتحنا له هذا الباب، سهل عليه أن يطأ كلَّ يوم، ويعتق رقبةً، ولكن حَمَلْتُه على أصعب الأمور؛ لئلا يعود. القصة الواقعية السابقة تؤكد بداية المقال، إضافة إلى أن الخلاف في الفتاوي واردٌ وطبيعيٌّ، ولا يقلِّل هذا مِن شأن المفتين بها؛ ولو كان خلافهم قويًّا وشديدًا، وأن أدبهم، رحمهم الله تعالى، في الاختلاف لا يمنع من المناقشة العلمية، وأن مراجعتهم لبعضهم ومناصحتهم، لاتخرج بالنقد الإفتائي عن حدود آداب العلم. [email protected]