الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ملك التثبيت

يلبس أجمل ما لديه، يحرص على أن يكون بكامل أناقته ولياقته، يرسم على وجهه ابتسامة حماس وتفاؤل. قد يتمم ببعض الأذكار الدينية، وقد يستمع في طريقه إلى أجمل أغاني الصباح الطربية، لا ينسى فنجان القهوة أو الشاي، حتى يكون أكثر تيقظاً. إنه يومه الأول في العمل. تلك الأشهر المحدودة تفصل بينه وبين وظيفته، فترة الاختبار، ما قبل التثبيت. إنه يبذل كل ما بوسعه ليثبت لرئيسه أنه يستحق هذه الوظيفة بجدارة، أنه الموظف المناسب في المكان المناسب، أنه على قدرٍ عالٍ من الثقة. لا شيء مضمون في مرحلة ما قبل التثبيت تلك، قد يجري الاستغناء عنه في أي لحظة، لذلك يبقى ذلك الذي لم يثبت نفسه مجاهداً ومحارباً إياها ورغباتها، مثابراً ومتسامحاً، إلى أن تحين تلك الساعة التي يرجوها، ويستمع لكلمة «مبروك» من «ملك التثبيت»، مسؤوله في العمل، حينها فقط يشعر بالراحة والسعادة النسبية. أتساءل، ماذا لو شعر الناس بالأمر ذاته تجاه وجودهم على هذ الحياة، ماذا لو تعاملوا معها بالمنطق ذاته، إنها «فترة تثبيت»، بين حياة رائعة تعانق السماء، وحياة تعيسة، ماذا لو استشعروا دائماً وجود «ملك الموت» من حولهم، أما كانوا ليبذلوا أفضل ما لديهم، أما كانوا ليصبحوا أكثر تفاؤلاً واستبشاراً وصبراً على الضغوط المختلفة، أما كان تعاطيهم لمواقف الحياة سيغدو مختلفاً جداً؟ هل كانوا سيستشعرون قيمة الوقت القصير جداً الفاصل بينهم وبين نهاية حياتهم ويركزون على العمل الدؤوب باتجاه أحلامهم ورغباتهم الأخيرة في حياة سعيدة أبدية، ربما؟ ما بين «ملك التثبيت» و«وملك الموت» مفهوم مشترك أساسي، لو أننا ندركه، قد نعيش حياة أفضل بكثير مما نتوقع ونظن. [email protected]