الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

المتوحشون

*كان يعتريني الخجل، كلما هممتُ باحتضان طفل غريب، فينفجر بكاءً في وجهي، لينحسر فيض حناني لمستودعه خائباً، منكسراً. عادة، ما يُنعت الطفل الذي لا يألف الغرباء، بأنه طفل متوحش، وغالباً ما يرجعون تلك الصفة إلى والدته تحديداً، فإن كانت أمه نزِقة سريعة الغليان، فغالباً ما يتشرب الجنين مزاج أمه وجيناتها المزاجية، فيخرج حاملاً عصبيتها وثورانها، وكما يقولون: «الحبّ على بذره». أذكر أني أُجبرت يوماً على التخلي عن واحدة من الصديقات المقربات، كانت أماً لطفلين، صبي وصبية، كانت عصبية للحد الذي لا يطاق، ما انعكس على طبيعة العلاقة بين الطفلين، فالصبي كان شرساً متوحشاً لا يتردد في غرز حافره في خاصرتها ما إن يراها تمس لُعبَه، والطفلة بخلها له سمة العجائز اللائي يحتفظن حتى بأعواد الثقاب المحترقة في صررهن. فالأم، كانت بخيلة بينما الأب كان كريماً سخياً إلى حد المفسدة، وكأنه بذلك يكفّر عن تقصيره تجاههم، بسبب انشغاله في شؤون بيته وعياله من زوجته الأولى. في هذا الوضع الأسري، لا يمكن أن يشب أبناء أصحاء أسوياء نفسياً وسلوكياً وعاطفياً، فالزوجة تفرغ جام غضبها من زوجها المقصر معها في الأبناء وهو، بطريقته، يحاول تعويضهم في زياراته الخاطفة، ولكن، هيهات. فالأبناء، يتوحشون في ثلاث حالات فقط، حينما يُغدق عليهم بالمال كتعويض عن عاطفة ورعاية لا يمكن توافرها في أتون علاقة مشحونة بين الأبوين، والأمر، هنا، لا يخلو من شبهة إخلاء للمسؤولية الأبوية تجاههم، فيصبح الولد شرساً قدر حاجته إلى الحب والرعاية التي يفتقدها ويجد غيره من أقرانه يتنعم بها بحيث تبدو واضحة في سلوكه ومزاجه وفي تحصيله الدراسي وعلاقته بزملائه في المدرسة. والحالة الثانية، يتوحش الأبناء حينما لا يجدون المال لتوفير متطلباتهم الأساسية وغير الأساسية علاوة على الحب والرعاية التي يحتاجون إليها، في ظروف أسرية غير مستقرة، كانفصال الأبوين، فيصبحون كالكمأة في مفازة. أمّا الحالة الثالثة، فهي أن يولدوا في كنف غابة من المشاعر المستعرة في ظل أبويهم الثائرين، فطبيعة العلاقة بين الأبوين يتشربها الأبناء، وخاصة، إذا كانت علاقة مشوبة بالعنف والأنانية واللامبالاة، وبالرغم من هذا، يبقى الهيكل الأسري قائماً بالرغم من هشاشته، منتجاً أبناءً مضطربين نفسياً، منحرفين سلوكياً وأخلاقياً، وغالباً ما يكونون متأخرين في تحصيلهم الدراسي، ومتنمرين، ومتوحشين اجتماعياً. [email protected]