الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

حقائق عارية

ثمة خصومة أو في أفضل الأحوال جفوة بين المثقفين ومجتمعاتهم.. تجعل العلاقة بينهم متوترة في أغلب الأحيان، ولا يستثنى من هذا التعميم إلا قلة من المثقفين القادرين على الاحتفاظ بقناعاتهم الحقيقية لأنفسهم، وعدم المجازفة بالتصريح بها على الملأ.. أما أدعياء الثقافة، ممن تطفلوا عيها طمعاً في النجومية والشهرة، فهؤلاء خارج الحسبة من البداية، لأنهم لا يملكون شيئاً من الأساس. تقول إحدى الفرضيات إن الكاتب الذي يصرح بقناعاته الحقيقية المخالفة للثقافة السائدة يتعرض لسوء فهم 68 في المئة من متوسطي الذكاء، ولعداوة 13 في المئة من منخفضي الذكاء، ولغيرة 13 في المئة من مرتفعي الذكاء، بمعنى أنه سيكون في مواجهة شرسة مع قرابة 95 في المئة من أفراد مجتمعه، وهو أمر صعب للغاية، ويحتاج إلى صبر وتضحية كبيرين لتحمله، والتعايش معه. أمام هذه المعضلة الكبيرة يلجأ بعض المثقفين إلى حيلة تحافظ على شعرة معاوية بينهم، وبين أفراد مجتمعاتهم.. يمكن أن نطلق عليها مسمى حيلة التستر، وفيها يتجنب المثقف التصريح بالحقائق التي يعرفها بصورتها العارية، ويلجأ بدلاً من ذلك إلى سترها بثياب تخفف من وطأتها على الجمهور، فيتجنب بذلك الدخول في مواجهة مباشرة معهم، ويترك للزمن مهمة التوضيح والتأثير. أشهر من استخدم الأسلوبين في علاقته مع الجمهور, هو الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ.. فإذا كانت الحقائق تدور في فلكها العادي، يصرح بها عارية.. كما فعل في روايته الشهيرة ثرثرة فوق النيل.. أما إذا كانت خارجة عن المألوف، فيلبسها الكثير من الملابس.. كما فعل في روايته المثيرة للجدل أولاد حارتنا. من وجهة نظري الشخصية، وقد أكون مخطئاً .. لا مانع من إلباس الآراء السابقة لأوانها بعض الثياب للتخفيف من حدتها.. لكن المبالغة في استخدام هذا الحيلة تُفقد الأدب طعمه، والأديب قيمته. [email protected]