الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

سلطة الأَتْباع

المتأمل الذي يخالط الناس قد يرى خلف المواقف والأحداث ظواهر سلوكية جديرة بالتوقف والاتعاظ. ومن تلك الظواهر المشاهدة وخاصة من واقع مجموعات واتساب أو حسابات التواصل الاجتماعي؛ ظاهرة انقياد التابع للمتبوع! حين ينقلب فيها مدير المجموعة أو الشخص صاحب المتابعين الكثر من مؤثر إلى شخص خاضع لسلطة متابعيه ومنقاد لرغباتهم وأمزجتهم. فكيف يحدث ذلك؟ المتابع للحسابات المليونية وحتى مجموعات وتساب الكبيرة يلاحظ أن الظاهرة تبدأ مع رؤية الشخص يتبوأ مكانة متميزة ورغبته كي يصبح نجماً. ومع تزايد عدد المتابعين، يزداد تعلقه بعداد المتابعين الجدد. وقد يقلق إن تجمد العدد أو بدأ بالتناقص، ثم يبدأ المتابعون بالتعلق بالنجم والتماهي مع أفكاره وأطروحاته بل والإعجاب حتى بصباح الخير أو تصبحون على خير. ولكثرة «ريتويت» يتوقف النجم أحياناً ويتمعن بزهو كلماته التي ألهمت جماهيره! وبعدها يبدأ الجمهور بكيل الثناء لكل إنجازاته ولو كانت بسيطة، وحتى لتحركاته اليومية الاعتيادية. هكذا وبمرور الوقت ينسج الأتباع بسلوكهم قيداً حريرياً حول معصم نجمهم ورقبته فيصير تحت سطوتهم، راضخاً لمطالبهم، يحذر مخالفتهم خشية التخلي عنه وفقدان التفوق الزائف. هذه الظاهرة يسميها الدكتور مسفر بن علي القحطاني الكاتب في صحيفة الحياة «سلطة الأَتْباع»، ولم أجد توصيفاً أفضل لأجعله عنواناً لمقالتي. ولروعة مقالة القحطاني؛ سأكتفي بالاقتباس منها، وأنصحكم بالبحث عنها وقراءتها كاملة. «هناك سلطة ناعمة يستمتع بعضهم بهيمنتها لأنها تضفي على أصحابها هيبةً وتمنحهم سلطةّ وتزيدهم رفعةً بين الناس، إنها سلطة الأتبَاع وحشود الجماهير التي تسير خلف الرمز»، هذه التبعية من العوام هي نتيجة طبيعية لحب الناس لمن قام بنفعها، ولا يملك المتبوع الرمز صدّ هذه القلوب عن حبه والتعلق به، لكنها تتحول في نفس المتبوع حاجةً يتوسل بها إلى مغانم يتنافس بها مع الآخرين، أو الاستقواء بأعدادهم تجاه من يعاديه، أو قد تصل الرغبة بالمكاثرة بالأتباع حداً يجعل الرمز فاصلاً بين أهل الحق والباطل بناءً على عدد الأتباع وكثرتهم، وقد يجري من خلالها علاقات تبادلية بين الرمز وجماهيره، تقوم على مصلحة مشتركة ترسّخ رضا هؤلاء الأتباع وسيرهم في ركابه، في مقابل أن يجاريهم ولا يأتي بما يستنكرونه أو يرفضونه من شيخهم». والحل هو إبقاء مساحة واسعة لحرية الرأي والتعبير، وتعلم أدب الاختلاف واحترام قواعد التعايش وفق الثوابت الوطنية والكليات الدينية، وكل إقصاء مُتعمّد أو تجييش جماهيري هو رهان خاسر، واندفاع أعمى لإغراق سفينة المجتمع بأوهام الانتصار. [email protected]