الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تيري فوكس: ماراثون الأمل (2 - 2)

الصعوبات لا تفرق بين إنسان وآخر رغم الصعوبات، لكن تيري واجه كذلك بعض التشجيع الجميل، مثل قرية على الطريق خرج أهلها لتشجيعه على الطريق وتبرعوا له، ثم بلدة أخرى وهكذا، وشيئاً فشيئاً بدأ الخبر ينتشر عن الشاب الصغير الحازم الصادق البريء الملهم، الذي يجري مسافة الماراثون يومياً وعلى قدم واحدة، ويساعد الأطفال الصغار الذين مروا بمثل ما مر به من تجربة بتر طرف من أطرافهم. آخر كيلومتر بعد 143 يوماً من العدو المستمر، وبعدما قطع مسافة 3339 ميلاً (أو 5373 كيلومتراً) لم يستطع تيري الاستمرار في الجري في هذا اليوم بالتحديد، وطلب نقله للمستشفى إذ هاجمته كحة مستمرة وبدأ يشعر بآلام شديدة في صدره، وهناك حيث جاءه الخبر اليقين، لقد امتد السرطان إلى كلا رئتيه، وكان لديه ورم كبير في كل رئة. خرج تيري من المستشفى محمولاً على نقالة، ليخبر الصحافيين بنتيجة الكشف عليه، وهي انتقال السرطان لرئتيه، وأن عليه الجلوس في بيته والراحة ونيل المزيد من العلاج، فلقد جرى آخر كيلومتر له في أول سبتمبر 1980 .. النقطة التي توقف عندها محفوظة بشاهد يقف على الطريق، ليذكر الناس بقصة تيري ولماذا جرى. عندما تفعل ما بإمكانك يأتي النجاح عند هذه النقطة الزمنية، بلغ إجمالي ما جمعه تيري من تبرعات 1.7 مليون دولار، لكن خبر عودة السرطان لجسده جعل الأمة الكندية تتعاطف معه، وبعدها بأسبوع تعاونت محطة تلفزيون مع كوكبة من مشاهير المجتمع الكندي، لجمع تبرعات لصالح حملة تيري، والتي جمعت خلال ساعات قرابة 10.5 مليون دولار كندي، وتعهدت الولاية التي هو منها ببناء مركز لأبحاث السرطان وإطلاق اسم تيري عليه. استمرت التبرعات حتى أنه بحلول شهر أبريل التالي، كان إجمالي التبرعات قد بلغ 23 مليون دولار. الندم الوحيد في عشية عيد الميلاد، جلس تيري بجانب والدته، وصارحها بندمه الوحيد في حياته القصيرة، وهو أنه لم يكسب دولاراً واحداً يمكنه من شراء هدية لأسرته في عشية الميلاد. ذاعت شهرة تيري عالمياً، وبدأت رسائل التعاطف والتشجيع تنهال عليه، حتى أنه بدأ يتلقى رسائل بريدية أكثر مما يتلقاها بقية سكان بلدته، وبمرور الوقت، بدأ الموت يفوز في معركته مع تيري، إذ أدى العلاج الكيمياوي لذبوله أكثر وأكثر، وبدأ مواطنو كندا يصلون من أجل معجزة تشفي هذا الشاب الصغير، حتى أن البابا يوحنا بولس الثاني أرسل له رسالة يخبره فيها أنه يصلي من أجل شفائه. نهاية وبداية في 28 يونيو 1981 مات تيري فوكس محاطاً بأفراد أسرته، لتنكس كندا كلها أعلامها حزناً على رحيل هذا الحالم، ولتذيع جنازته ودفنه على الهواء في محطات التلفزة في كندا، ولتتذكره كندا بعدها وتكرمه وتضمه لقائمة أبطالها. في 13 سبتمبر 1981، قررت أسرة تيري إجراء ماراثون سنوي تخليداً لذكرى ماراثون الأمل، وشارك فيه أكثر من 300 ألف عداء، وجمع 3.5 مليون دولار، وفي العام التالي نادوا على مدارس كندا بأن تشارك في هذا الماراثون وهو ما تم، ليجمع الماراثون ما قيمته 20 مليون دولار في أول ست سنوات من إقامته، ليصبح بذلك حدثاً عالمياً يشارك فيه الناس من كل حدب وصوب، حتى أنه جمع في عام 1999 أكثر من 15 مليون دولار في هذه السنة وحدها. احتفالاً بمرور 25 سنة على بدء تيري فوكس سباقه الخاص، كان أكثر من ثلاثة ملايين عداء يشاركون في هذا الماراثون. التبرعات المليونية التي جمعها هذا السباق على مر السنين، ساعدت الكثير من العلماء والأطباء على دراسة هذا المرض ومعرفة المزيد عنه، وتوفير المزيد من العلاج له. الشاهد من قصة تيري فوكس ÷ ماذا يمكن لشاب مجهول أن يفعل أمام مرض عضال أطاح بهامات عظام؟ الكثير كما رأينا. ÷ إصرار تيري على أن يجري كل يوم جعله يخوض آلاماً كثيرة مستمرة، لكن تصميمه على ألا يتوقف كان أكبر. ÷ مع بدء شهرته، لم تتركه الصحافة الكندية من دون هجوم وقدح، فهذه جريدة حكمت عليه بأنه إنما يجري غضباً من الطبيب الذي لم يشخص مرضه على الوجه الصحيح من أول يوم، وأخرى اتهمته بأنه طاغية ويسيء معاملة أخيه، وغيرها من الاتهامات السخيفة التي يسيل لها لعاب الباحثين عن فضيحة، والشاكين في كل من حولهم. ÷ أول داعم لتيري ومساند له كان رجلاً خسر ابنه بمرض السرطان. هذا الرجل ساعد تيري بشكل كبير، وأسهم كذلك في تخليد اسمه بإجراء الماراثون كل عام بعد رحيله. ÷ لم يكن تيري أول من أراد الجري من شرق كندا إلى غربها، لكن هذا لم يمنعه من ذلك. ÷ هل كان تيري فوكس يتوقع أن جريه صباحاً ومساء سيجمع كل هذه الملايين؟ لا، لكن هذا لم يمنعه من أن يبدأ ويحاول ويجرب. ÷ إذا كان الجميل في هذه القصة الروح المثابرة لتيري، فالأجمل منها مساندة المجتمع له. كونك تعيش في مجتمع لا يشجع، ليس مبرراً لأن تفعل مثله ولا تشجع أي مبادرة إيجابية صغيرة تمر أمام عينيك. حين تشجع المبادرات الإيجابية، فأنت فعلياً تساعدها على أن تنمو وتزدهر وتتكاثر، حتى تغير المجتمع من كئيب إلى مشجع واعد. وهنا حيث يأتي دور السؤال، ما الذي خرجت به من هذه القصة؟ ـ مدونة: شبايك https://www.shabayek.com/blog