الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

نحن والمتميزون

لكلٍ منا صفات يتميز بها، والمتميزون لهم صفات لا حدود لها؛ فالمتميزون محط أنظار الجميع ويندر وجودهم. فكلما تحدثنا عن التخطيط الاستراتيجي، التنمية المستدامة، التطوير المستمر، علينا أن نعترف بأن المتميزين هم من خَطَت أقدامهم قبلنا في طُرق النجاح وحددوا لنا نُقطة الارتكاز لنبدأ منها، وهم من وضع لنا الرافعة لنستكمل سلم النجاح ونصل إلى القمة. كُنتُ من المحظوظين الذين كانت بداية حياتي العملية مع شخصيات متميزة وكان جزء من فريق تترأسه سيدة لها شخصية قيادية متميزة، وضَعَت النجاح والتميز على رأس أهدافها حتى أصبح صفة من صفاتها، كانت تمتلك قدراً كبيراً من الشغف بمواجهة التحدي، لدرجة أن بعض أعضاء الفريق وصف ذلك بالجنون، ولا غرابة في هذا الوصف لأن المتميزين يعيشون في عالم الخيال، لقد كان لهذه القائدة الملهمة خيال واسع وقدرة أشبه بخيال، كقدرة النحات الذي يمتلك القدرة على تحويل الصخر الأصم إلى لوحة مفعمة بالحياة. ولكن الكل يجمع على أنها كانت شخصية قيادية بامتياز، وكان لها أسلوب بمنزلة عصا سحرية تجذبُ لها كل من كان حولها، وتجعلهم بما يملكون من قدرات محدودة قادرين على تحدي الصعاب باحتراف، مبحرين إلى عالم الإبداع، والمستحيل كلمةٌ لا وجود لها في قاموس حياتهم. ولم تكن هذه القائدة المتميزة تمتلك جسماً ضخماً كقادة الجيوش العظيمة في العصور الوسطى بل على العكس كان جسمها نحيلاً تكاد تختفي وسط فريق عملها، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت لها شخصية مهابة ومحترمة، وكان لها رصيد إنجازات يفوق عمرها بكثير. تلك السيدة الصغيرة صنعت مما كان مستحيلاً في نظرنا نحن أعضاء فريقها واقعاً، كما صنعت من تجاربها دروساً لينهل منها جميع أعضاء فريقها، فقد كانت حريصة على أن يفهموا ويعوا كل خطوة تخطوها وهم من ورائها، وكأنها تريد أن تجعل منهم نسخة متميزة منها، ولم نكن ندرك أنها كانت تعدنا ليوم لم نكن نرغب في قدومه. تتفاعل مع من حولها كأغصان شجرة البونساي حيث التفافها في كل الزوايا لا يزيدها إلا جمالاً، فما من مشروع متميز إلا وشاركت في تأسيسه وما من مبادرة إلا وكان لها جهد مقدر في نجاحها، وما من فكرة تطويرية إلا وكان نظرها فيها مصبوغاً ومراعياً لبيئتها وتراثنا العريق. وجاء ذلك اليوم الذي عرضت عليها إحدى الجهات عرضاً مغرياً جداً من جميع النواحي يتناسب مع تميزها وإبداعها، ولم يعترض أو يقف المسؤولون في مؤسستنا في طريق انتقالها للجهة الجديدة، بل حدث ذلك الانتقال بكل بساطة وسهولة. قد يقول البعض إن ما حدث هو مكافأة تستحقها، وهذا لا خلاف عليه، ولكن من يفسر مقدار الألم الذي نشعر به نحن أعضاء فريق عملها، إننا كلنا نشعر بأن هناك الكثير مما يجب أن نتعلمه منها. والسؤال ما الذي كان يمنع أن تعطي مؤسستنا لهذه المتميزة وغيرها من المتميزين ما يستحقونه حسب تقييم سوق العمل لهم لإبقائهم في مؤسساتهم التي أنفقت الكثير على تطويرهم، وأصبح ما يملكه هؤلاء المتميزون من ثروة من التجارب هي في المقام الأول مُلكٌ للمؤسسة يجب ألا تفرط فيها، فانتقال متميز لجهة أخرى له ثمنٌ باهظ. لذا أرجو منكم أعزائي القراء أن نتوقف لحظات ونسأل أنفسنا سؤالين آمل أن يقرأهما المسؤولون في كل مؤسساتنا ويعطونا إجابة عنهما: ما مقدار خسارتنا لرحيل المتميزين من مؤسستنا؟ وما شكل العلاقة التي تكون بيننا نحن والمتميزين؟ صبحة الراشدي