الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

غرس زايد وسقيا محمد

هو وجود مضاء بقوة عبور المستقبل التي تعلو بدولة الإمارات نحو الصدارة .. دولة نسجت رؤيتها السياسية خارجياً وداخلياً بخيوط التنمية المستدامة .. هي القيادة المسكونة بسعادة شعبها وريادة التجربة في عبور المستقبل الذي تذهب إليه قبل أن يأتي إليها. كثيرة هي المكاسب والإنجازات التي تحققت في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى جمهورية الهند في الفترة من 10 إلى 12 فبراير، بيد أن أكثرها رمزية كان سقيا الشجرة .. شجرة الصداقة الإماراتية الهندية التي تفيض دلالات ومعاني ويكفي أن تحمل اسم زايد وسقيا محمد بن زايد. ففي دولة تستبق التغييرات المتسارعة في العالم بروح تتقد بالأمل والعمل يصعب حصر الزيارة في البعد الاقتصادي على أهميته لأن الزيارة تحمل مدلولات أكثر عمقاً من ذلك، فهي توثق علاقة عمرها مئات السنين بدأت بالتجارة وهو النشاط الأول الذي ربط بين الشعبين بحكم الموقع الجغرافي للبلدين. ثمة علامات فارقة في علاقة الإمارات بالهند في القرن الـ 20 كان أبرزها زيارة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عام 1975 والتي كانت نقلة نوعية في العلاقات العربية الهندية، حيث غرس زايد يومها شجرة الصداقة في ساحة راج غات بالقرب من ضريح الزعيم الهندي المهاتما غاندي، وكانت تلك الزيارة الرسمية تأسيساً لعلاقة نوعية مع الهند استمرت حتى اللحظة. على يد المؤسس، التقطت التجربة الإماراتية كونية الوقائع ثم صهرتها في مضمار تجربتها الريادية في علاقاتها الخارجية المبنية على الاحترام المتبادل بين الدول، وفي السياسة الداخلية المستندة إلى التجديد والتجدد، ولعل أبرزها استحداث مناصب مثل وزير دولة للسعادة ووزير دولة للتسامح. زيارة الشيخ محمد بن زايد تستكمل ما بدأه المغفور له الشيخ زايد، لتُخرج بعد ذلك التجارب بتكوينات تُرى فيها كل التجارب وتعددية تجلياتها، فالمسيرة واحدة والمعنى واحد: زايد زرع ومحمد سقى شجرة الصداقة.. إنها الإمارات الوجه المشع تنمية وتسامحاً وسعادة في غيهب الزمن. لا شك في أن زيارة الشيخ محمد بن زايد فتحت آفاقاً استثمارية هائلة للشركات ورجال الأعمال الهنود في الإمارات بما يعود بالنفع على الجانبين. وفقاً لتقرير صادر عن مركز دبي المالي العالمي أخيراً، فإن إجمالي الاستثمارات الإماراتية في الهند يصل إلى نحو ثمانية مليارات دولار، من المتوقع نموها بعد تعهد الحكومة الهندية بزيادة التجارة بين البلدين 60 في المئة على مدى السنوات الخمس المقبلة. هنا تبرز دلالات ومعاني الزيارة، لكونها تنشد التكامل باعتباره بُعداً جوهرياً في التنمية والعلاقات الخارجية، برزت أركانه في توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات عدة لترفع مستوى العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المتكاملة والشاملة. وشملت الاتفاقيات الاستثمار في البنية التحتية والطاقة المتجددة، والتعاون في مجالات الفضاء والصحة، وبحث سبل تطوير ودعم التعاون في 30 مجالاً رئيساً، أبرزها الأمن ومكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية والتعليم، إضافة إلى تأسيس صندوق مشترك للاستثمار في البنية التحتية وتحديداً مجالات الموانئ والطرق والمطارات والسكك الحديدية والطاقة المتجددة والصناعة. وتبادل الطرفان خطاب نوايا بين الهيئة الوطنية للمؤهلات ووزارة المهارات التطويرية في جمهورية الهند من أجل التعاون في تنمية المهارات والاعتراف المتبادل بالمؤهلات وانتقال العمالة الماهرة بين الهند ودول الخليج العربي وتحقيق مبادئ المساواة والمنافع المتبادلة، إضافة إلى مذكرة تفاهم للتعاون في المجال التقني ومكافحة الجرائم الإلكترونية بين وزارة الداخلية في الدولة ووزارة الشؤون الداخلية في جمهورية الهند، وذلك لتطوير أواصر الصداقة والتعاون في المجال التقني ومكافحة الجرائم الإلكترونية التي تهدد أمن واستقرار مصالح وسلامة المجتمعات، واتفاقية إطار عام بين وزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة ووزارة الطاقة الجديدة والمتجددة لحكومة الهند للتعاون في مجال الطاقة المتجددة، وتهدف الاتفاقية إلى التعاون في مجال الطاقة المتجددة خصوصاً ما يتعلق بالاستثمارات وجهود البحث والتطوير المشتركة بين البلدين. ليس ثمة مبالغة في القول إن الزيارة هي نقش في العمق التنموي مع التوقعات بزيادة وتيرتها في المرحلة المقبلة لقناعة الطرفين بحيوية هذه العلاقة وأهميتها القصوى في الجوانب السياسية والاقتصادية والإنسانية. الإمارات اليوم تعبُر المستقبل بجسر لا متناه بين الشراكات الخارجية الاستراتيجية المثمرة والمكاسب والإنجازات وبين الحاضر والمستقبل، وهي التجربة الأرقى باعتبارها ترتكز على التنوع كرؤية مستقبلية ضرورية.. رؤية العمق الحاملة لجوهرية السياسة وكونيتها الإنسانية والتنموية. [email protected]