السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الكرة الإماراتية في عصر الاحتراف.. أموال طائلة وإنجازات متواضعة

منذ أن ودعت كرة القدم الإماراتية عصر الهواة قبل 11 عاماً لتطرق باب الاحتراف، وجدت أندية دوري الخليج العربي نفسها بحاجة ماسة لزيادة صرفها، وذلك لمجاراة الحقبة الجديدة في عالم الساحرة المستديرة في إطار مواكبتها للعالمية، ليرتفع بالتالي الصرف الحكومي على الأندية، وهو صرف ظن كثيرون أن العائد منه سيكون حصد الكثير من الألقاب، وتطوراً مستمراً للكرة الإماراتية، وهو أمر لم يحدث حتى بالصورة المرجوة حتى الآن، ما فتح بالتالي أسئلة عدة حول مكمن الخلل وعدم تحقيق النتائج المنتظرة.

ولم تحقق أنديتنا أي لقب قاري على مستوى دوري أبطال آسيا في سنوات الاحتراف، وكانت أول وآخر بطولة آسيوية للأندية توج بها العين في 2003، ومنذ ذلك الوقت لم يستطع أي نادٍ تحقيق هذا الإنجاز بالرغم من اقتراب العين وشباب الأهلي (الأهلي سابقاً) من تكراره في مرتين، وفي وقت اعتبر فيه احتلال العين وصافة مونديال الأندية في 2018 من النجاحات القليلة في الـ11 الأخيرة.

وعلى صعيد المنتخبات الوطنية، لم يحقق منتخب الإمارات الأول أي إنجاز يذكر طوال سنوات الاحتراف، إذ لم ينجح في الصعود إلى كأس العالم في 3 نسخ مضت (2010، 2014، 2018)، والآن تبدو حظوظه صعبة في الاستمرار بالتصفيات المؤهلة لمونديال 2022، ويحتاج إلى جهود مضاعفة حتى يبقي على فرصه في التأهل، بعد احتلاله للمركز الرابع في منافسات المجموعة السابعة التي تضم إلى جانبه كلاً من ماليزيا، وتايلاند، وإندونيسيا.

وفيما يتعلق بمنتخبات المراحل السنية، لم يكن حالها أفضل من المنتخب الأول، إذ لم يحقق الأبيض الأولمبي سوى إنجاز يتيم تمثل في الصعود لأولمبياد لندن 2012، في حين فشل في تكرار ذلك الإنجاز مرة أخرى، إذ لم ينجح في بلوغ أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، وأولمبياد طوكيو 2020، كما لم يظهر منتخب الشباب في كأس العالم للشباب طوال الـ11 سنة الماضية سوى مرة واحدة في 2009 بمصر، وذلك بعد أن توج بكأس آسيا للشباب 2008.

ومنذ ذلك الوقت، لم يحقق الأبيض الشاب أي إنجاز يذكر، والحال نفسه مع منتخب الناشئين الذي كانت آخر مرة تأهل فيها لكأس العالم للصغار في 2009 بنيجيريا، وشارك في نسخة 2013 عندما استضافتها الإمارات، وبعدها بدأ في التراجع والغياب، إذ بات في بعض المرات يعاني صعوبات الوصول لنهائيات كأس آسيا تحت 16 سنة.

ونظراً للحصيلة السابقة، تفتح «الرؤية» الملف، وتطرح أسئلة عدة على المختصين والمحللين، بغرض ملامسة مكامن الخلل، والتبصير بها بغية تجاوزها وتصحيحها، من أجل بداية صفحة جديدة يكون عنوانها الأبرز نهضة كروية شاملة تضاهي نهضة الإمارات في شتى المجالات، والتي وضعتها ضمن دول العالم الرائدة.

عادل دوريش: تطبيق قانون اللعب المالي النظيف حل لضبط الصرف

يرى الناقد الرياضي والمهتم بشؤون كرة القدم عادل حسن دوريش، من خلال تجربته العملية السابقة في نادي الوصل، أن المشكلة في كرة الإمارات تكمن في عدم توظيف الأموال في أوجه الصرف السليمة، وهو ما يؤدى إلى النتائج الصفرية الحالية.

وأضاف دوريش: «عندما ننظر إلى حصيلة إنجازات كرتنا من الاحتراف بعد مرور أكثر من عقد على تطبيقه، نجدها ضعيفة للغاية، وهذا شيء محزن، حيث كنا نعلق آمالاً كبيرة على الاحتراف ظانين أنه سيحقق لنا إنجازات عظيمة، ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك، رغماً عن الصورة الوردية التي ارتسمت في أذهاننا قبل الاحتراف بأنه المنقذ الذي يعول عليه بنقل الأمور لتكون أكثر احترافية بدلاً عن عصر الهواة».

وشدد دوريش على أن الدول مطالبة بالصرف المالي على الرياضة لتستثمر فيها، ضمن الأهداف الكلية الموضوعة من قبل حكومات الدول باعتبارها أحد أهم القطاعات الحيوية في المجتمع، مبيناً: «يقسم الاستثمار الرياضي على قطاعات عدة، بداية من البنية التحتية بامتلاك المباني والملاعب المميزة، والاستثمار على مستوى قطاعات الشباب، والاستثمار في الأندية، ومن هذا المنطلق نجد أن الجهات المسؤولة عن الرياضة في الإمارات تقوم بواجباتها في توفير الدعم المالي الكبير للقطاعات الرياضية وعلى رأسها كرة القدم، حيث صرفت أموالاً ضخمة منذ انطلاق الاحتراف دون نجاحات تذكر، والمشكلة برأي تكمن في أن تلك الأموال ذهبت لإدارات غير محترفة تمسك بزمام الأمور في العديد من الأندية، وهو ما خلق الواقع السلبي الحالي».

وأضاف دوريش: «من أكبر المشاكل التي عانت منها كرة الإمارات السنوات السابقة هي مسألة إبرام الصفقات الناجحة مع اللاعبين الأجانب، حيث تستهلك موارد كبيرة، وأكبر دليل على ذلك أن الأجانب المؤثرين في أنديتنا لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة في السنوات الماضية، وبالتالي نجد أن نسبة كبيرة من ميزانيات الأندية تصرف في محترفين بلا فائدة، ومدربين كذلك بلا فائدة، إضافة لتكدس الأندية باللاعبين المواطنين برواتب عالية وعقود طويلة الأجل دون فائدة فنية للفريق المعني، ويجري التخلص من هؤلاء اللاعبين والمدربين ومنحهم الحقوق الجزائية المبرمة في العقود ما يترتب عليها خسائر مالية كبيرة تتكبدها الأندية».

وأردف الناقد الرياضي دوريش: «مما سبق يتضح أن الحلقة الإدارية هي الأضعف في كرة الإمارات، وبسبب ضعفها هذا تكون بقية المخرجات ضعيفة، لذلك نحتاج إلى تقوية الجانب الإداري في كرتنا، سواء عبر التأهيل أو مراجعة آلية تعيين الإدارات لتكون مواكبة للتغييرات التي تحتاجها كرة القدم الحديثة».

حلول مقترحة

رأى، دوريش أن هناك حلولاً يمكن أن يكون لديها الأثر السريع لتقويم الخلل في الأندية، على رأسها تطبيق قانون اللعب المالي النظيف مثلما هو مطبق في أوروبا، بحيث لا يتعدى الصرف المالي السنوي للأندية مداخيلها التي تأتي سواء من الدعم الحكومي المباشر أو من الرعايات التجارية والتسويق، بجانب الدعم السنوي من قبل رابطة المحترفين الإماراتية كحقوق للبث.

وتابع دوريش: «جميع هذه المبالغ مجتمعة تمثل الميزانيات العامة للأندية، إذ يلزم بأن يكون صرفها خلال السنة لا يتجاوز حجم ميزانيتها وتقدمها بشكل سنوي لاتحاد الكرة، الذي بدوره مطالب بأن تكون لديه الآليات للتدقيق عليها ومراجعتها للتأكد من صحة الأرقام الواردة في ميزانيات الأندية، وأن يملك القدرة على معاقبة النادي الذي يتجاوز حدود ميزانيه في الصرف السنوي، وهذا يحتاج إلى تشريعات جديدة من قبل الجمعية العمومية».

عيسى الذباحي: السماسرة والمجاملات الإدارية أبرز معوقات تطور كرتنا

أرجع رئيس مجلس الإدارة السابق لنادي اتحاد كلباء عيسى خلفان الذباحي، التراجع الكبير لكرة القدم الإماراتية في السنوات السابقة إلى المجاملات الإدارية بتواجد بعض الشخصيات غير المؤهلة في دفة العمل الإداري في الأندية، لا سيما وأن عدداً منهم لا يملك المهارات والإمكانات الشخصية المتفردة التي تجعله قادراً على تقديم الإضافة المطلوبة، وتحقيق النتائج المميزة والإنجازات، كما أن البعض لم يمارس العمل الإداري والقيادي في المؤسسات التي يعمل بها.

واتفق الذباحي مع عادل دوريش في ضرورة مراجعة آلية تعيين الإدارات في الأندية، مضيفاً إليها مقترحاً جديداً بأن يكون متاح لرئيس شركة كرة القدم في النادي اختيار وترشيح الطاقم الذي سيعمل معه في مجلس الإدارة حتى يكون مسؤولاً بصورة كاملة عن الفترة التي يقضيها، وعن أداء مجلسه، فعند اختياره للأعضاء يكون هناك انسجام وتوافق بينهم، ويجعله متحملاً للمسؤولية تماماً.

وأضاف: «من الأشياء السيئة التي أسهمت في تدني نتائج الكرة الإماراتية دخول عملية (السمسرة) في الأندية، والتي تحدث عبر صفقات انتقالات اللاعبين والمدربين، بحيث يتم تضخيم أرقام الصفقات لتحقيق عوائد مالية تعود بالفائدة على الوكلاء والوسطاء (السماسرة) وبعض الإداريين، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف لفشل تلك الصفقات خصوصاً المضروبة منها، وهو ما يأتي سلباً على كرة الإمارات».

توظيف الأموال

وطالب الذباحي، بضرورة ترشيد صرف الأندية، وأن توجه الأموال لبنود صرف سليمة، عبر قنوات واضحة ودراسات لمشروعات مستقبلية بدلاً من إهدارها في عقود لاعبين لا يفيدون مستقبل الكرة الإماراتية سواء كانوا أجانب أو مواطنين والدليل الغياب عن منصات التتويج الخارجية طوال السنوات الماضية.

وشدد على ضرورة العودة إلى الجذور بتأسيس أكاديميات كروية في الأندية بأسس علمية وتستقطب كوادر فنية مؤهلة لإدارتها، وتبحث عن مواهب حقيقية لصقلها وتأهيلها، وأن تلتزم جميع الأندية بعمل الأكاديميات، وأن تبعد عن اتباع نهج تدوير اللاعبين، حيث تلاحظ في الآونة الأخيرة تنقل اللاعبين بين الأندية دون أن تكون هناك وجوه جديدة.

خالد عبيد: المحاسبة والتقييم المستمران يرسمان طريق نهوض كرة الإمارات

مدير الفريق الأول الأسبق لنادي النصر خالد عبيد، رأى أن السؤال الأهم الذي يجب طرحه ويحتاج إلى الإجابة بشفافية ماذا حققنا في الـ10 الأخيرة من نتائج بناءً على الصرف المالي الكبير الذي تم؟ هل فزنا بكأس آسيا؟ أو تأهلنا إلى كأس العالم بعدما حققنا ذلك الإنجاز قبل 30 عاماً؟ الإجابات عن تلك التساؤلات تحتاج إلى إجراء عملية مراجعة واضحة ودقيقة تحدد أماكن الخلل، فلا يعقل أن تصرف كل تلك الأموال والمصلحة متواضعة حتى على صعيد الأندية، لا توجد إنجازات فنحن نصرف على التنافس المحلي والمحدود بين بعض الأندية فقط.

وأضاف عبيد: «باتباع تلك الخطوات، نكون وضعنا أيدينا على أس المشكلة، والانطلاق لمرحلة جديدة تكون مختلفة عما سبقها، تضمن عدم تكرار الأخطاء التي وقعت في الماضي والتعلم من التجارب، ومن أبرز المعالجات التي يجب اعتمادها في المستقبل مبدأ المحاسبة والتقييم المستمر، إذا يكون هناك نظام تقييم سنوي لعمل الإدارات، مع المحاسبة، وفق مؤشرات الأداء المعتمدة بدلاً من الانتظار حتى تتفاقم المشكلات، ونتم الإطاحة بالإدارة وتعيين أخرى تبدأ من الصفر».

وبخصوص الحلول المقترحة للنهوض بكرة الإمارات مستقبلاً، قال عبيد: «لا بُدَّ من وضع خطط مستقبلية تطويرية في الأندية طويلة المدى أقلها لمدة 5 سنوات، يضعها مختصون في كرة القدم وأصحاب خبرات نوعية، وتعمل على إنزالها للواقع شركات كرة القدم عبر الكوادر المؤهلة التي تتواجد فيها وليس أي شخص، فلعبة كرة القدم تختلف عن المجالات الأخرى».