الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

يلعب بفريقين فقط وبقواعد غريبة.. تعرف إلى أصغر دوري كرة قدم بالعالم

عهدت كرة القدم العالمية على مرّ العصور الكثير من الإثارة والشغب في ليالي الديربي، وذلك بفعل اجتياح جماهير الفرق المنتصرة شوارع المدن والسهر حتى الصباح احتفالاً بفوز أو إنجاز تحقق على جارها اللدود، ما يتطلب عادة استنفاراً أمنياً غير مسبوق، لكن ربما تعد سانت ماري إحدى جزر سيلي البريطانية الاستثناء الوحيد، إذ يجري الديربي فيها أسبوعياً تقريباً، في حين ينحصر الاستنفار، على الأرجح، لدى بعض الأرانب التي تتخذ من ملعب الجزيرة مأوى من عواصف الأطلسي المرعبة.

وتعد سانت ماري أكبر جزر سيلي الواقعة في الأرخبيل الممتد على المحيط الأطلسي والتابعة للحكومة البريطانية، والتي يبلغ عددها 150 جزيرة، ولا يزيد عدد سكانها عن 2.250 ألف نسمة حسب آخر إحصاء.

وتحظى سانت ماري بالريادة في كرة القدم هنالك، وذلك لاحتضانها الدوري الرسمي لجزر سيلي، والذي يعد أصغر دوري في العالم، لجهة أنه يلعب بين فريقين فقط منذ 1980، يتنافسان على لقب البطولة وكأس رسمية ودرع خيرية.

وتأخذ الدرع الخيرية شكلاً مبتكراً للغاية، إذ تلعب بين بطل الدوري وفريق مجمع من زائري المدينة وكبار السن ممن كان لهم في أيام الصبا شغف بالكرة.

ويلعب الدوري الرسمي من 20 جولة، يتوج فيها صاحب أعلى رصيد من النقاط باللقب، وينطلق الدوري في أكتوبر ويختتم في مايو، ويجرى كل صباح يوم أحد طوال هذه الفترة.

استعدادات فريدة من نوعها

في يوم كل سبت وقبل انطلاق كل جولة، يبدو البرنامج بالمدينة، إذ يتجه الجميع صوب مدينة هوف تاون عاصمة جزيرة سانت ماري، لحضور حفل زواج ما في الصالة الرئيسة والوحيدة في المدينة، قبل أن تتاح بداية من عصر السبت احتفالات أعياد الميلاد، ويعقبها تجمع لاعبي فريقي غاريسون غانرز وويلباك واندرز المتنافسين في الدوري، إذ يطلق الجميع العنان لمواهبه الغنائية في الكاريوكي قبل الانصراف والاستعداد للديربي المرتقب.



وصبيحة يوم الديربي أو الجولة، وقبل ساعة من انطلاقه يتجمع لاعبي الفريقين، ويبدأون في المهام التقليدية، والتي تتراوح بين تنصيب الرايات الركنية، مروراً بثبيت المرمى المتحرك، في حين ينصرف آخرون إلى ردم الحفر التي أحدثتها الأرانب، والتي تلوذ بالملعب الصغير فراراً من عواصف الأطلسي المستمرة.



مصاعب جمة

تواجه منظمو البطولة الكثير من المصاعب، أبرزها تقلبات الطقس، إذ غالباً ما تهب على الجزيرة عواصف مرعبة تستمر نحو أسبوع بحسب ما أكد مات سيمونس لاعب في فريق غاريسون غانرز والموظف في إحدى شركات التنظيف بالبخار، في حديث صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية

.

وكانت الأزمة الكبرى قبل عامين من الآن، عندما هبت عاصفة لمدة أسبوع منعت عنهم الكثير من الإمدادات الطبية والمواد الأخرى، ما أحدث ربكة في روزنامة الدوري.

الطقس المتقلب على الدوام، منح المنظمين واللاعبين على حد سواء مناعة وقوة تحمل رهيبة، إذ عادة ما تستمر المباراة رغم انخفاض درجات الحرارة، وتساقط الأمطار، في حين تمنح القواعد المنظمة للبطولة، الحكم ،والذي هو عجوز متقاعد، حق إلغاء المباراة في حالة الضباب والعواصف الرعدية المميتة فقط.

ويتذكر الحكم بول شارنوك في حديث لنيويورك تايمز "رغم كل الظروف الجوية الصعبة، ألغيت مباراة واحدة فقط، والسبب هو كسر في رجل لاعب بسبب حفرة أرنب، وكان وقتها الضباب كثيفاً، لذلك الجميع يحاول ردم حفر الأرانب قبل كل مباراة".



ومن المصاعب الأخرى أيضاً، هو عدم وجود لاعبين من سن 16 وحتى 25 سنة، والسبب هو سفرهم إلى داخل بريطانيا للالتحاق بالجامعات والكليات، إذ لا توجد في جزيرة سانت ماري سوى مدارس أولية وثانوية فقط.

وحدث مرة أن اقتحم أنتوني جيبونس مدير البطولة إذاعة سيلي الموجهة للجزر الـ 150، ليطلب متطوعين في كرة القدم، وقال وقتها: "كل من يأنس في نفسه كفاءة ضرب الكرة برجله، عليه الانضمام لنا بغض النظر عن سنه".

قوانين غريبة

على الرغم من تسجيل البطولة واعتمادها من قبل الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، باعتبارها بطولة داخلية بغرض الترفيه، وبالتالي اعتمادها من قبل فيفا، فإن هنالك قوانين غريبة تحكمها.

وأثناء الاجتماع التنسيقي لوضع برمجة الدوري يحضر ممثلون من الفريقين المتنافسين في الدوري، ويطلب منهما رئيس الدوري جيبونس أن يتبادلا لاعبين اثنين، من أجل توفير التنافس وضبط ميزان القوة بين الفريقين.



وعن ذلك علق جيبونس: "نعمل ذلك من أجل الحفاظ على الإثارة في البطولة، إذا هيمن عليها فريق واحد تفقد الشغف بها، وهي الآن في قمة المتعة".

ومالياً، يكلف انضمام اللاعب لفريق نحو 50 دولاراً، لكن الشرط الأهم هو أن تلتزم عائلة اللاعب المنضم حديثاً بحضور كل مباراة من أجل تشجيعه، ومنح المباراة طابعاً جماهيرياً ملتهباً.

من 4 إلى فريقين

كانت البطولة تلعب تاريخياً بـ4 فرق، فريقان من سانت ماري وآخر من جزيرة تروسكو، والرابع من جزيرة سان مارتن.

لكن وبعد هجرة لعدد من السكان في عام 1950، أصبحت تلعب بين فريقين فقط، وهما رينجرز وروفرز.

وفي 1980 تم تغير اسمي الفريقين ليصبحا غاريسون غانرز وويلباك واندرز الحاليين.



لا للاستهزاء

رغم ابتعاد البطولة عن الأضواء لمدة طويلة، فإن برنامجاً ترويجياً أنتجه شركة أديداس في 2008 بمشاركة نجوم كبار أسهم في تسليط الضوء على البطولة الغريبة.

واصطحبت أديداس كلاً من ستيفن جيرارد، ديفيد بيكهام، باتريك فييرا ومايكل بلاك، بهدف لفت الانتباه للبطولة.

ونسبة لعدد انتشار الفنادق التي تليق بهؤلاء النجوم، اضطر ستيفن جيرارد لقضاء ليلة مع أحد اللاعبين الصغار في منزل والديه.

وفتح هذا البرنامج شهية الإعلام العالمي للبطولة، إذ استقبل مديرها جيبونس عدداً من الطلبات من قنوات نرويجية، يابانية، وألمانية بهدف تصوير حلقات عن البطولة والجزيرة.

ولعل شرط جيبونس الوحيد كان عبارة عن سؤال ملح: "هل ترغب في التصوير أم الاستهزاء بطريقة تنظيمنا للبطولة، إن كان الغرض الاستهزاء، فهذا مرفوض تماماً".