الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

قصة كلوب من ضواحي بلاك فورست إلى أسطورة خالدة في أنفيلد.. تعرف عليها

قصة كلوب من ضواحي بلاك فورست إلى أسطورة خالدة في أنفيلد.. تعرف عليها

كلوب واحتفالية بالشامبيونزليغ مع ليفربول. (أ ف ب)

«كنا بعمر الـ11، وقتها، وكنا نستقل سيارة إلى أكاديمية نادي غلاتن.. كان المذياع يبث إحدى مباريات شتوتغارت في البوندسليغا.. رغم الصمت تحدث يورغن كلوب، لقد حلل أداء شتوتغارت، وهو فريقه المفضل، بطريقة محترفة، قال إنه لكي يفوز بتلك المباراة فإنه بحاجة إلى تبديلين في مركزين حددهما تفصيلاً، وبعد دقائق أجرى المدرب نفس التبديلات التي كان يورغن قد اقترحها.. منذ تلك اللحظة تيقنت أنه سيصبح مدرباً تكتيكياً بارعاً.. وقد كان»، هكذا جاءت ذكريات جنس هانس صديق الطفولة للألماني يورغن كلوب عن مدرب ليفربول الحالي والتي خصّ بها موقع بي بي سي أخيراً.



وبالفعل، يبدو أن ذلك النبوغ المبكر كان نبراساً أنار طريق الشهرة والمجد ليورغن كلوب تدريبياً، إذ لم يحدث أن مرّ بمحطة دوّن أن يدوّن اسمه فيها بفخر، فحقق حلم ماينز بالصعود إلى البوندسليغا للمرة الأولى بتاريخه، وأزاح مع دورتموند العملاق بايرن ميونيخ من عرشه محلياً، قبل أن يمنح ليفربول الشامبيونزليغ السادسة، ويتأهب الآن لإعادة لقب البريميرليغ إلى خزائن أنفيلد بعد 3 عقود من الغياب.

النشأة ومسيرة الصبا

ولد يورغن، بحسب صديقه هانس، عام 1967 في ولاية راينلند بالاتينات، بالقرب من مدينة ماينز مسقط رأس مخترع الطباعة يوهان غوتنبيرغ، قبل أن ينتقل مع والده نوربرت كلوب الذي كان يعمل وقتها مندوب مبيعات إلى قرية غلاتن في مدينة بلاك فورست جنوبي غرب ألمانيا.



وفي بلاك فورست وجد كلوب ما يمكن اعتباره المفتاح السحري للنجاح الحالي، فالمدينة الصغيرة اشتهرت بقسوة الحياة فيها، إذ لن ينال أي وافد إليها التقدير المناسب، إلا بعد أن يثبت كفاءة في عمله ورغبة في التقدم، بحسب ما أكد صديق صباه جنس هانس لبي بي سي.



وأوضح هانس: «الناس هنا هادئون للغاية، ويتصفون بالصلابة، هم حذرون في الجانب الذي يتعلق بالمال، لذا تجدهم يُقدّرون من يكسب ماله من العمل الشاق فقط، ولا تقدير لمُنعّمٍ ورث ماله من أسرة غنية».



وأضاف: «في البدء ستجدهم باردون تجاهك، لكن ما إن تثبت جديتك في العمل، فإنهم يميلون لصداقتك، بل ويحتفظون بها مدى الحياة، هذا أمر غرس في الكثيرين حب العمل وتحقيق النجاح تلو الآخر، وهم على كل حال يُقّدرون من يعمل بجدية أكبر».



وكروياً، انضم الفتى اليافع يورغن كلوب إلى أكاديمية غلاتن تحت 11 عاماً، وسط تشجيع كبير من والده نوربرت، الذي كان يلعب حارس مرمى في عدد من فرق الهواة.



«تأثير نوربرت على الابن يورغن كان كبيراً، يمكنك القول إنه رسم فعلياً الملامح التي طبعت مسيرة يورغن فيما بعد»، هكذا روى المدرب ومؤسس أكاديمية غلاتن تحت سن 11 عاماً أوليرش ياث قصة كلوب لبي بي سي.

وأضاف: «الكل يعلم أنه ليس من غلاتن، فهي بلد زوجته ووالدة يورغن، لكن بعد استقراره معنا بدا نشيطاً على المستوى الرياضي، سواء في النادي الكروي أم في التنس بعد ذلك، لقد أحب يورغن من خلاله الرياضة، وبدأ ذهنه يتفتح أكثر على المضي قدماً فيها».



مشوار متذبذب كلاعب

شغل الصبي يورغن كلوب مركز لاعب وسط في أكاديمية غلاتن قبل أن ينتقل في عام 1983 إلى نادي إيرجينزينغين الذي يلعب ضمن الهواة، والذي يبعد 15 ميلاً من غلاتن.

ويبدو أن كلوب كان يراهن على الصلابة والعمل الشاق أكثر من المهارة، إذ وصفه مدربه في الأكاديمية ياث بأنه كان فاشلاً بمقياس المهارة، لكنه «قائد بالفطرة» في الملعب بحسب وصفه.

وبعد إيرجينزينغين تنقل كلوب بين عدة أندية من الهواة، من ضمنها روت فايس فرانكفورت، والذي كان يلعب له خلال دراسته الجامعية في جامعة غوثه فرانكفورت، والتي نال منها شهادة في العلوم الرياضية.

وفي عام 1990، وقع أول عقد احترافي له كلاعب مع ماينز، وكان وقتها بعمر الـ23، لكنه عانى في إثبات نفسه بحسب قائد ماينز، وقتها، مايكل شوماخر.

وأفاد شوماخر بي بي سي: «انضم إلينا كمهاجم، كان سريعاً وجيداً في الكرات الرأسية، لكنه كان يعاني على مستوى التحكم في الكرة بالقدم».



وأضاف: «كان أمراً صعباً عليه، عندما يستدعيه المدرب للدخول بديلاً، كانت الجماهير تستقبله بصافرات استهجان، لقد تأثر بذلك كثيراً، وعموماً.. استفاد المدرب وقتها ولفانغ فرانك من طوله وبات يشركه باستمرار، وعلى مر عقد من الزمان لعب معنا 325 مباراة، كما أنه نجح في تسجيل رقم جيد من الأهداف وصل إلى 56 هدفاً، لكن في تقديري القرار الأهم تمثل في سرعة تعيينه مدرباً للفريق».



بداية تجلي العبقرية

بعد مدة قصيرة من اعتزاله الكرة بقميص ماينز، أصدر رئيس النادي هارالد ستروزه قراراً اعتبره البعض بمنزلة خطوة متهورة ستعصف بالفريق إلى الهاوية، وذلك عندما أعلن في فبراير يورغن كلوب مدرباً للفريق، في وقت كان يعاني فيه الفريق شبح الهبوط إلى دوري الدرجة الثالثة.

ورغم تلك المخاوف، نجح كلوب في الفوز بأول مباراة له كمدرب، عندما قاد ماينز للفوز على ديسبورغ بهدف نظيف، قبل أن يواصل الطفرة، ليفوز تباعاً في 6 مباريات من المباريات السبع المتبقية للفريق، ويبعد بالتالي ماينز من شبح الهبوط.

ومنذ تلك الفترة، أظهر كلوب مقدرات وفكراً تكتيكياً كبيراً، إذ بدأ في تطبيق فلسفة (الجيجين برسينغ) أو الضغط العالي، والتي اشتهر بها، وحقق بها غالبية نجاحاته الحالية.

وفي الموسمين التالين في قيادة ماينز، ظل الفريق يصارع على الصعود إلى البوندسليغا حتى المباراة الأخيرة، لكن الحظ لم يخدمه.

وبتلاشي الحلم في موسم 2002 ـ 2003، بعد أن كان قريباً، وأمام 15 ألف متفرج على ملعب ماينز طلب كلوب الميكروفون داخل الملعب، وخاطب الجماهير قائلاً: «نعلم أن الجميع تسيطر عليه دموعه، لكن أعدكم سنحقق الحلم الموسم المقبل»، وهو ما تحقق بالفعل إذ قاد كلوب ماينز إلى البوندسليغا بنهاية موسم 2003 ـ 2004، للمرة الأولى في تاريخ النادي.

وفي أول موسم له مع ماينز في البوندسليغا، ورغم شح الإمكانات المادية، نجح في إنهاء الموسم الأول والثاني بالمركز الـ11، كما تأهل بالفريق إلى تصفيات كأس الاتحاد الأوروبي، قبل أن يستقيل عن تدريبه بنهاية موسم 2007 ـ 2008، محققاً رقماً قياسياً معه بـ109 انتصارات، و73 تعادلاً و83 خسارة.

الرحيل إلى سيغنال إيدونا بارك

يبدو أن الظهور القوي لماينز تحت قيادة كلوب لفت إليه أنظار بروسيا دورتموند باكراً، إذ سبق وأن صرح هانز يواخيم فاتكسه الرئيس التنفيذي للنادي قائلاً: «عندما نلعب أمام ماينز تحت قيادة كلوب كنا نعاني كثيراً، إذ رغم أفضليتنا، لكن كلوب ظل يشحن فريقه بروح معنوية وقتالية مبهرة».

وسرعان ما أغرى فاتسكه كلوب بتدريب بروسيا بعد الرحيل عن ماينز، إذ استلم الفريق في مايو 2008، ونجح في تحويله إلى بعبع مخيف في وقت وجيز، واستفاد من الحماس الجماهيري في ملعب سيغنال إيدونا بارك معقل الفريق صاحب الزي الأصفر والأسود.

وبفعل فلسفة الضغط العالي والتركيز الذهني والتفاعل الجنوني من على خط الملعب مع اللاعبين، حوّل كلوب دورتموند من فريق يصارع شبح الهبوط إلى آخر استحق لقبه «أسود وستفاليا»، إذ ظل يزأر بلا رحمة في البوندسليغا وأوروبا.

وبعد هيمنة شبه مطلقة لبايرن أعلن كلوب دورتموند بطلاً للبوندسليغا في 2011 وكرر الأمر ذاته في 2012، لكن هذه المرة أضاف إليه كأس الدوري، كما وصل بالفريق إلى نهائي دوري أبطال أوروبا بعد ذلك بعام قبل أن يخسره أمام غريمه بايرن.

بطل قومي في غلاتن

في غمرة فرحة جماهير دورتموند وكلوب بلقب البوندسليغا في 2011، غزت صورة احتفالية للمدرب مع الدرع صحف ألمانيا الرياضية، قبل أن تتحول لحدث خاص في قرية غلاتن يشبه توقيع رواية لكاتب، خلال احتفال بإنجازاته.

وعن ذلك عبر هانس: «تجمع أهل قرية غلاتن في بلاك فورست للحصول على توقيعات من كلوب على صورته وقمصان باللون الأصفر والأسود الخاص بدورتموند، لقد أصبح كلوب أهم شخصية في غلاتن، وهي التي تحتفي بأصحاب الإنجازات وكل مجتهد، كما هو ديدنهم دائماً».

وأضاف: «كان متواضعاً، لقد تحدث إلى الجميع بلكنة غلاتن، اندمج مع الجميع للدرجة التي نسي فيها أنه حقق أهم إنجاز في مسيرته كمدرب قبل ساعات قليلة».

ولا يبدو أن صلة كلوب ببلدته انقطعت بعد ذلك الاحتفال، إذ إنه ورغم ظروف العمل مع ليفربول، لا يزال يتفاعل مع أهله في بلاك فورست، وهو ما أكده مدربه في أكاديمية غلاتن للناشئين أوليرش ياث.

وقال ياث: «نعم لم أعد أراه هنا كثيراً، لكن قبل مدة قصيرة تفاجأت باتصال غريب، قبل أن أكتشف أنه منه، لقد هنأني بعيد ميلادي الـ75 وتمنى لي أمنيات سعيدة».

وأضاف ياث في حديث عاطفي لبي بي سي: «لم ينس أبداً غلاتن.. إنها موطنه».

وما بين المحطات الطويلة في ألمانيا ومحطة ليفربول، يظل كلوب أحد الأساطير الخالدة في عالم التدريب، وهو أمر يتوقع أن يترسخ أكثر عندما يتوج مع ليفربول بلقب البريميرليغ بعد 30 عاماً من الغياب، إذ يُنتظر معه أن يخلد خارج ملعب أنفيلد رود بتمثال تاريخي.