الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الأرقام تنصف الموهبة في معركة الرواتب الضخمة

مع بدايات جائحة كورونا العام الماضي، والذهول الذي أصاب العالم وقتها بسبب الانقلاب الكلي في سيرورة الحياة اليومية، سرت الكثير من الأحاديث والنقاشات، أخذ بجزء كبير منها طابع اللوم على استئثار مجالات ترفيهية ونجوم فيها برواتب مليونية، ورأوا أن ذلك جاء على حساب الحقل الصحي الأهم للإنسان، قبل أن يطالب ناقمون على ذلك بضرورة إعادة النظر بشكل عام فيما يحدث من صرف بذخي في عالم الرياضة وخصوصاً كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية حالياً.

قريباً جداً، وفي خضم أزمة دوري السوبر الأوروبي، عاودت أزمة رواتب النجوم الظهور، خصوصاً عندما شكا رئيس البطولة الجدلية فلورنتينو بيريز من خسائر تتكبدها الأندية جراء دفع رواتب نجومها، وهو أمر جدد مطالب سابقة بضرورة وقف تدليل اللاعبين وإعادة سوق الميركاتو إلى ما كانت عليه قبل عقدين.

وما بين الحقيقة الماثلة بتمتع لاعبي كرة القدم برواتب فلكية، والمطالب المستمرة بالمزيد من التقشف وإحكام العقل في إدارة اللعبة برمتها، يطل سؤال إشكالي، مفاده أحقية هؤلاء النجوم بهذه الرواتب من عدمه، قبل أن تتفرع منه أسئلة حيرى أخرى تتعلق إجمالاً بالشكل المتخيل للعبة إذا ما حدث تخفيض في أسعار اللاعبين وأدرك هؤلاء أن راتبها يماثل رواتب مجالات أخرى، وأيضاً مدى استمرار اللعبة في جاذبية الجماهير مثلما يحدث حالياً.

أرقام وحقائق

لا يختلف اثنان على الزيادة الجنونية والمطردة في أسعار اللاعبين طوال العقد المنصرم، إذ لم تقل قيمة كل سوق صيفية للانتقالات طوال الأعوام الخمسة الماضية عن 4 مليارات يورو في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى فقط، كما لا يمكن تناسي ما حدث في الدوري الصيني من رواتب جعلت كل شخص في العالم يحلم بلعب كرة القدم.

وتدفع الأندية رواتب سخية للاعبيها، إذ وفقاً لموقع ستاتيستا الأمريكي، بلغت الرواتب السنوية للاعبي أندية كل من (مانشستر سيتي سيتي، يونايتد، ليفربول، أرسنال وتشيلسي) المنافسة في البريميرليغ لعام 2020 نحو 33 مليون إسترليني.

وفي هذا السياق، أجرى موقع بنك إنجلترا في مقاربة مثيرة بين الرواتب الأسبوعية لمهن مختلفة بما فيها رئاسة الوزراء البريطانية، مقارنة مع لاعبي كرة القدم، وخرج بإحصائية صادمة.

وبحسب الدراسة، فإن متوسط راتب الممرضة الأسبوعي في إنجلترا لم يتجاوز 630 جنيه إسترليني فقط، في حين بلغ متوسط راتب سائق القطار أو الترام هناك ألف إسترليني، فيما يتقاضى رئيس الوزراء راتباً أسبوعياً بمعدل 2.900 ألف إسترليني فقط، مقابل 50 ألف إسترليني للاعب كرة القدم المشارك في البريميرليغ.

وانطلاقاً من هذه الأرقام، وبعيداً عن البريميرليغ، فإن ليونيل ميسي أفضل لاعب في العالم 6 مرات، وأسطورة برشلونة حالياً يتقاضى راتباً سنوياً قدره 7 ملايين يورو، وهذا يعادل راتب رئيس الوزراء البريطاني 600 مرة، فهل يعنى ذلك مبالغة تستوجب التوقف عندها. قانون العرض والطلب يجيب

في عالم الاقتصاد الحديث، هنالك قانون شهير، يصطلح عليه بقانون العرض والطلب، وملخصه إجمالاً أنه كلما زاد الطلب على سلعة ارتفع سعرها، والعكس، ومن هنا ترجع مبرر غلاء أسعار اللاعبين ورواتبهم إلى الطلب الكبير عليهم.

وفي المقابل، ربما يتساءل كثيرون عن سبب إصرار الأندية الكبيرة على لاعبين بعينهم، وخصهم بالملايين، في وقت توصف فيها كرة القدم بأن لعبة جماعية، تحتاج لخطط نوعية ولاعبين متعاونين لا أكثر.

وفي هذا السياق، ترى دراسة بنك إنجلترا أن الأمر يبدو طبيعياً، وذلك لسببين، أولهما تمتع الأندية ومن بينها أندية البريمييرليغ بسيولة مالية مقدرة من ارتفاع حقوق البث التلفزيوني، كما رأت بأن جلب أكبر عدد من المواهب في فريق واحد بغض النظر عما يتقاضونه من رواتب، هو ما جعل كرة القدم أكثر جاذبية، ومنحها نحو 4 مليار شخص حول العالم يتابعون كل تفاصيلها بشغف بالغ.

أمر آخر، وهو استحالة استنساخ مواهب أو تعليمهم أو صقلهم مثلما يحدث في بقية المجالات من طب وهندسة وغيره، لجهة أن المواهب في كرة القدم فطرية بامتياز، ونادر أن يتواجد أكثر من ميسي في نفس العصر.

وللتأكيد على ذلك، تطل إحصائية رسمية مثيرة أجراها فيفا في 2001 برأسها، إذ أكدت في ملخصها وجود نحو 65 مليون لاعب ممارس كرة قدم في العالم، وهو رقم كفيل بإغراق الأندية بملايين اللاعبين، إذا كانت هنالك وصفة لصناعة الموهبة، وهو أمر لم ولن يكون متاحاً.

وفي إنجلترا نشرت ديلي ميل من قبل دراسة أكدت أنه من بين 1.5 مليون شاب يمارسون كرة القدم، لم ينجح منهم سوى 180 لاعباً فقط في مواصلة حلمهم والوصول إلى البريميرليغ، وهو أمر يجعل من ندرة الموهبة واقعاً، ويمنح صك البراءة للاعبين الكبار، ويؤكد أحقيتهم بالرواتب الكبيرة، على الأرجح.