الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

المخلفات الإلكترونية... منجم لا ينضب للمعادن والعناصر الأرضية النادرة

المخلفات الإلكترونية... منجم لا ينضب للمعادن والعناصر الأرضية النادرة

يبدأ الهاتف المحمول رحلته في الحياة داخل علبة كرتونية أنيقة، حيث يلاقيه المستخدم للمرة الأُولى بالفرح والحبور، ويتعامل معه بالعناية والاهتمام اللذين يتناسبان مع الدور الذي أصبحت هذه الأجهزة تلعبه في حياة الإنسان المعاصر.

وبعد شهور أو سنوات، تنقضي دورة حياة الهاتف حتى يصل في نهاية المطاف إلى مثواه الأخير داخل درج المهملات في المنزل، ومنه إلى مستودع للنفايات، حيث تتسرب معه المواد الكيميائية السامة لتلوث التربة أو المياه الجوفية، وفي أسوأ الحالات، يتم شحن هذه الأجهزة القديمة المتهالكة إلى دول أُخرى، حيث يعكف عمال بؤساء على تفكيكها يدوياً لاسترجاع القطع الثمينة التي تصلح لإعادة الاستخدام منها، ثم يحرقون أو يدفنون الأجزاء المتبقية، ويتسببون، في الوقت ذاته، في أخطار صحية وبيئية جسيمة، سواء بالنسبة لأنفسهم أو للمجتمعات التي يعيشون فيها.

وتكمن المفارقة أنه في الوقت الذي تنبعث فيه أبخرة المواد السامة من الهواتف والأجهزة الإلكترونية القديمة أثناء إحراقها للتخلص منها، تجد عمال المناجم ينهبون الأرض في بقاع أُخرى من العالم، بحثاً عن معادن وعناصر أرضية نادرة، بغرض استخدامها في إشباع نهم شركات الإلكترونيات من أجل تصنيع أجهزة وهواتف أُخرى جديدة وحديثة.

ويقول بابلو دياز المهندس المتخصص في إدارة المخلفات الإلكترونية بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا، إنَّ مشكلة المخلفات الإلكترونية تزداد خطورة، موضحاً أنها «أسرع مصادر المخلفات نمواً على الإطلاق».

وبحسب «المشروع العالمي لمراقبة المخلفات الإلكترونية» الذي يدعمه معهد الأمم المتحدة للتدريب والأبحاث، فقد تخلَّص البشر من 53.5 مليون طن متري من المخلفات الإلكترونية عام 2019، ومن المتوقع أن تزيد هذه الكمية بنسبة 40% تقريباً بحلول 2030.

وفي تصريحات للموقع الإلكتروني «ساينتيفيك أمريكان» المتخصص في التقارير العلمية، يقول أولاديل أوجونستان الباحث في مجال الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا إيرفين الأمريكية، إنَّ الأمور بدأت تتغير فيما يتعلق بمشكلة المخلفات الإلكترونية، وقال: «لقد أحدثنا قدراً من الصخب، بحيث لم يعد بمقدور المصنعين أن يتجاهلونا بعد الآن»، مشيراً إلى أن المجال أصبح متسعاً في الوقت الحالي لإعادة تدوير صناعة الإلكترونيات، حيث بات من الممكن إعادة استخدام المعادن الثمينة والنادرة داخل الأجهزة الإلكترونية بوتيرة غير نهائية، وابتكار تقنيات جديدة لاسترجاعها من داخل الأجهزة القديمة والبالية، ما يقلل الحاجة بشكل كبير إلى تعدين هذه المواد من الأرض.

وتقول كلارا سانتاتو الكيميائية المتخصصة في المواد الكهربائية في كلية مونتريال للعلوم التطبيقية في كندا، إنَّ «هناك فرصة للتوقف عن التفكير في هذه الأجهزة الإلكترونية باعتبارها مخلفات»، ولكن المسألة تتطلب تطوير الصناعة بشكل عام، فضلاً عن طريقة تفكير المستهلك الذي يتوق بشدة دائماً إلى الأجهزة الإلكترونية الحديثة.

ويؤكد جيف كيتل مهندس الإلكترونيات من جامعة جلاسكو البريطانية في تصريحات لموقع ساينتفيك أمريكان أن المخلفات الإلكترونية تحتوي على 69 عنصراً كيميائياً مختلفاً، مضيفاً: «لقد فحصنا لوحات الدوائر الإلكترونية المطبوعة داخل عشرة هواتف ذكية مختلفة، ووجدنا اختلافات كبيرة في تركيب المواد بينها».

ويذكر أن عناصر البناء الأساسية داخل الهواتف والأجهزة الإلكترونية عادة ما تتكون من السيليكون والحديد والنحاس، بالإضافة إلى عناصر أُخرى أكثر ندرة، من بينها معادن ثمينة موصلة للكهرباء مثل البلاتين والذهب، وكذلك عناصر أرضية نادرة مثل النيوديميوم الذي يتميز بخواص مغناطيسية وكهربائية فريدة، وتحتوي بعض الأجهزة على معادن ثقيلة مثل الرصاص والكادميوم، التي تنطوي على خطورة كبيرة بالنسبة لصحة الإنسان والبيئة.