السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الحراك الثقافي السعودي الإماراتي .. رؤية تنموية إنسانية وحواضن إبداعية تنشر التسامح

تشكل الثقافة أحد الروافد المهمة للتقدم الحضاري والتواصل المجتمعي في الإمارات والسعودية، إذ شهدت منطقة الخليج حراكاً فكرياً لم يتوقف منذ القدم، ولاقى دعماً في الآونة الأخيرة، حتى أصبحت الثقافة عامل تقارب وجدانياً وأداة للتسامح والرقي الروحي. للثقافة السعودية سمات وجوهر تميزها، فهي تنهل من الإسلام ذلك الدين الذي يدعو إلى التوحيد والمحبة ويحترم العقل ويرحب بالآخر ويدعو بالحسنى، ويبجل العلماء وكانت بدايته ورسالته «اقرأ». ثقافة تسعى للتجديد من دون التخلي عن الجذور، تنفتح على الآخر بوعي وثقة للتفاعل لا للنقل وللتأثير كما للتأثر. ويطمح المثقفون السعوديون إلى تقديم إسهام حقيقي في كيفية الاهتمام بالشأن العام وقضايا المجتمع ومواكبة المتغيرات في المحيط الخليجي والعربي الأقرب والمحيط العالمي الأشمل والمحيط الإسلامي الأرسخ في الوجدان والتفاعل مع المثقفين الحقيقيين. ويبرز هنا دور وسائل التواصل الاجتماعي أو سوشيال ميديا التي تشهد حضوراً طاغياً فاعلاً للشباب السعودي الذي يحاول بشجاعة نقد الذات بموضوعية والإسهام في تشكيل الوعي المجتمعي. وتمثل الثقافة السعودية مكوناً أساسياً جوهرياً في ظل «رؤية 2030» عن يقين راسخ أنها من أهم المحفزات للتحول الوطني نحو التنمية البشرية. وتستهدف الرؤية تحديث وتطوير القطاع الثقافي والمعرفي وبناء حواضن للإبداع ومنصات للمثقفين والفنانين لطرح أفكارهم ورؤاه وتجاربهم والتواصل والتفاعل مع المجتمع والانفتاح على التجارب الإنسانية العالمية بما يتفق مع خصوصيات وقيم المجتمع السعودي. وفي هذا المجال أعلن ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أن «الترفيه والثقافة سيكونان رافدين مهمين جداً، في تغيير مستوى معيشة السعودي، في فترة قصيرة». وأشار سموه إلى أنه هناك تخطيطاً وفق تلك الرؤية لإنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، والاهتمام بمضاعفة تسجيل المواقع الأثرية في السعودية في «اليونيسكو»، طارحاً التساؤل وفي صياغته الإجابة «هل من المعقول أن تكون قبلة المسلمين التي هي السعودية، وأهم بلد إسلامي، ولا تملك متحفاً إسلامياً، يمكن أن يزوره من يريد التعرف إلى الثقافة الإسلامية؟ هذا أمر غير منطقي تماماً». وهناك في التخطيط والتفكير استهداف لإنشاء مجمع ملكي وأكاديمية للفنون، ضمن حزمة مشروعات تستهدف تفعيل دور الثقافة في الحياة العامة، تواكب خطة «التحول الوطني 2020، تشمل على سبيل المثال لا الحصر، تأسيس الفرقة الوطنية الموسيقية السعودية، مسرح التلفزيون، مسرح الطفل، مع تعبيد الطريق نحو تفتح ألف زهرة من المبدعات السعوديات عبر فتح باب المشاركة لهن. منارات إماراتية الهاجس الإماراتي الحاكم والمسيطر في المجالات كافة، ومنها الثقافة، هو صناعة المستقبل واستدامة الرفاهية، وجعل السعادة والصدارة أسلوب حياة. وعلى مدى عقود عدة راكم المشهد الثقافي الإماراتي تجارب وخبرات وأفكاراً تغلغلت في الجينات الوراثية للمبدع الإماراتي الذي تفتحت أمامه كل السبل للإنجاز والإبداع والابتكار، من دون وصاية أو أفكار مسبقة. لم تكتف الإمارات بالانفتاح على ثقافات العالم، بل وأصبحت حاضنة لها يشهد على ذلك متحف السوربون وجوجنهايم وعشرات المتاحف الخاصة وطوفان المنتديات والمهرجانات التي يتوافد إليها النخبة والصفوة من مفكري ومبدعي العالم. انفتاح الإمارات الثقافي لم يسلخها أو يعزلها عن هويتها وجذورها وبيئتها، بل كان بمنزلة تلاقح وتفاعل مبتكر مبدع يسهم في الحضارة ويرتقي بالوجدان ويعلن بكل فخر أنا إماراتي. انشغلت الإمارات بصناعة المستقبل في الوقت الذي غرق فيه غيرها في الماضي، خططت للوصول إلى المريخ في الوقت الذي اتجه فيه غيرها إلى الكهوف والمغارات، سعت للبناء والإضافة لا المحو والدمار والإلغاء. وعلى مرّ السنوات كانت المنطقة تموج بالتفاعل الفكري عبر أفواج من شعراء وعلماء وأدباء يتنقلون بين القبائل حاملين مسكهم من معرفة وأدب وشعر وفكر المنطقة. وكان أبناء الإمارات يتتبعون أخبار المملكة عن طريق الصحف والمجلات التي تصلهم منها كأم القرى والإصلاح والمنهل وصوت الحجاز والخليج العربي، وبعض الصحف والمجلات التي تأتي من بلدان عربية أخرى. وتوافد طلاب الإمارات إلى السعودية للدراسة والنهل من علومها والالتحاق بمدارسها ومراكزها التعليمية في مكة المكرمة والإحساء والرياض، ومنهم الشيخ سيف بن هلال المهيري، والشيخ سيف بن محمد المدفع، والشيخ مبارك الشامسي، والشيخ جمعة بن سيف المنصوري، وراشد بن خلف العتيبة، والشيخ محمد نور بن سيف بن هلال الذي درس في مكة ثم عاد ليتولى إدارة المدرسة الأحمدية، ويسهم بحظ وافر في الحركة التعليمية في دبي. كذلك أسست المملكة معهدين دراسيين في رأس الخيمة وعجمان تابعين لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. على الجانب الآخر، أوقف رجال من الإمارات عقارات وأملاك على المدارس وأهل العلم في السعودية، مثل إبراهيم بن كلبان وناصر بن عبيد بن لوتاه، كما بعث سالم بن علي العويس بأموال إلى المدرسة طلاب المعهد الإسلامي السعودي عام 1946. ويعتبر المبدعون السعوديون الأنشطة الفنية والفكرية في الإمارات متنفساً ونافذة للانفتاح على تجارب العالم ورؤى إخوانهم الإماراتيين.