الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كلمات ترسم الغموض والجمال

فوز الكاتب الأمريكي جورج ساندرز بجائزة مان بوكر العالمية للرواية عن عمله «لينكولن في باردو» هو وفق تعليقه دعوة لمواجهة الخوف والإقصاء والعنف بالحب والنيات الحسنة، أن ندرك أن ما نراه شخصاً آخر هو بالفعل ليس شخصاً آخر على الإطلاق لكنه هو ذاك الشخص تماماً ولكن في يوم مختلف، هو انتصار للجمال والغموض عبر الكلمة. اللافت أنها الرواية الطويلة الأولى لساندرز الحاصل على بكالوريوس الهندسة وصاحب التاريخ الحافل في كتابة القصة القصيرة والتقارير والمقالات، وأصبحت الرواية الأكثر مبيعاً في قائمة صحيفة نيويورك تايمز منذ صدورها في 14 فبراير من العام الجاري. تدور أحداث الرواية بعد موت ابن الرئيس الأمريكي الراحل أبراهام لنكولن وتبين مدى الشرخ العميق الذي شق قلب الرئيس الأب، وتقع الأحداث في باردو وهي فضاء خيالي بين الموت والحياة، والزمن ليلة واحدة، استلهمها من أحد أقاربه الذي حكى له أن لنكولن زار قبر ابنه مرات عدة ليحتضن جثمان ابنه. وأضاف ساندرز بحسه الدرامي تفاصيل عدة جامعاً بين التاريخ والدراما في عمل إنساني يوضح أن الأبوة واحدة مهما اختلفت المناصب، والحب لا يسقط بالتقادم ولا يهزه موت، والحزن غريزة إنسانية قاهرة لا يمكن منعها أو كبحها مهما أوتيت من سلطة ونفوذ. يشير ساندرز إلى أن «منذ أعوام عدة وخلال زيارة لواشنطن أشار قريب زوجتي إلى قبر على ربوة، وأوضح أنه يضم رفات ابن لينكولن الأثير ويلي الذي مات في عام 1862، ودفن مؤقتاً في تلك المقبرة، وكان الأب المكلوم يدخل المقبرة ليحمل ويحضن جثمان فقيده، وقفزت الصورة إلى مخيلتي، وتداخلت صورة لينكولن مع تمثال العذراء وهي تحمل المسيح». ويضيف الحائز على البوكر الدولية «ظلت الصورة في ذاكرتي عشرين عاماً تراودني بقوة وتلح علي لكي أرسمها كتابة وأكسوها دراما ولكني كنت مرعوباً لأني أدرك مدى العمق الذي تتطلبه، ولكني في النهاية لم أرض أن يكتب على شاهد قبري «الرجل الذي خاف من كتابة رواية كان يتوق بشدة لإنجازها». وأوضح الكاتب أن الرواية تتطرق إلى مناطق خارقة للطبيعة وأفصح أنه كتبها في عام 2015، واستقر على العنوان في أبريل 2016، مبيناً «استعنت بأرواح وأشباح، واستلهمت عالم الباردو بين الحياة والممات من فلسفة التبت عن الأرواح العالقة بين عالمين لأنها غير سعيدة أو راضية في الحياة، كائنات تحاول التكفير عن الذنب لأنها تشعر أنها لم تؤثر بشكل كاف في الحياة». تأثر الكاتب أيضاً بفكرة الفراعنة عن البعث، ويقارن بعض النقاد روايته بمجموعة شعرية للأديب إدجار لي ماستر تحمل عنوان «ملعقة نهر الأنثولوجيا» صدرت في عام 2015. والحقيقة أن ساندرز لم يرد في البداية كتابتها كرواية، ولكن صورة لينكولن الزعيم المهيب وهو يحمي جثمان ابنه ودموعه تنساب من قلبه حفزته على حسم تردده وتبديد مخاوفه واتبع في كتابتها سياسة الخطوة خطوة. واضطر الكاتب للقراءة عن الحرب الأهلية الأمريكية ولنكولن والأعمال الأدبية التي تطرقت إليها، ودفعه خوفه من عدم رسم أبعاد شخصية الزعيم الراحل بدقة إلى اختصار زمن الرواية في ليلة معتمداً على تكثيف الأحداث، مشبهاً نفسه بمن يركض وساقاه مكبلتان بالأثقال. كائنات الرواية التي تعيش في الباردو أشباح شوهتها الرغبات وفشلت في كبحها وهي على قيد الحياة، قلقة خائفة ومهددة على الدوام، لا تدرك أنها ماتت وتعتقد أن الباردو ساحة مستشفى وتوابيتهم صناديق لمعالجة المرضى. وكان ساندرز، فاز سابقاً بجائزتي «فوليو» و«ستوري» عن مجموعة قصصه القصيرة التي تحمل عنوان «العاشر من ديسمبر».