الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الرهانات الخاسرة تفقد قطر عرش الغاز

تثبت الأحداث بما لا يدع مجالاً للشك أن المغامرات القطرية للعب دور بارز على الساحة الدولية عبر تمويل الجماعات الإرهابية والمنشقين والمعارضين من مصر إلى أفغانستان، ومن سوريا إلى الشيشان استندت منذ البداية إلى حسابات خاطئة ورهانات خاسرة. وانطلقت الحسابات الخاطئة والرهانات الخاسرة من أن ثروة الغاز الهائلة التي هبطت على قطر، وجعلتها أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم وأغنى دولة في العالم، ستدوم إلى الأبد، وستجعل الدوحة سيدة أسواق الغاز العالمية المتوجة، وستطلق يدها في بعثرة الأموال يميناً ويساراً، لتشتري لنفسها دوراً دولياً، وتبتاع لذاتها ثقلاً سياسياً، يتوازي مع الثروة التي تظل شيك بدون رصيد دون هذا الدور وهذا الوزن من وجهة النظر القطرية. ولكن السحر انقلب على الساحر وبدأت الرمال المتحركة لأسواق الغاز العالمية تعصف بالبيت القطري الذي ورط نفسه في مغامرات طائشة وأحرق جميع مراكبه، ظناً منه أن أسواق الغاز ستظل حكراً أبدياً لقطر، وصكاً أزلياً بكتابة قواعد السوق التي تناسب مقاسها، دون أن تدرك أنها تلعب بالنار عندما تعبث بمصالح قوى عظمى وشركات عملاقة مستعدة لمحو قطر من على الخريطة إذا عبرت الخطوط الحمراء وتجاوزت الحدود. من المفارقات أن أسلوب ليّ الذراع الذي تمارسه قطر على الساحة السياسية هو الأسلوب ذاته الذي تحاول تطبيقه في أسواق الغاز. ففي الوقت الذي تراجعت فيه أسعار الغاز بنسبة 70 في المئة عما كانت عليه في عام 2014، ووصل سعر المليون وحدة حرارية من الغاز إلى أقل من 5.54 دولار، أعلنت قطر أنها تعتزم زيادة إنتاجها من الغاز بنسبة 30 في المئة في غضون السنوات السبع المقبلة ليصل إلى نحو 100 مليون طن (نحو 140 مليار طن مكعب) سنوياً، مطلقة بذلك أول رصاصة في حرب الأسعار مع كبار المنتجين في العالم. وبحسب تقرير لوكالة الطاقة الدولية فإن أستراليا ستتصدر زعامة أسواق الغاز العالمية بحلول نهاية عام 2022، وسترتفع طاقة التصدير الأسترالية من الغاز المسال إلى 117.8 مليار متر مكعب سنوياً، وستظل أستراليا على القمة بإضافة 30 مليار متر مكعب سنوياً لطاقتها الإنتاجية الراهنة بنهاية 2022. وفي المرتبة الثانية ستأتي الولايات المتحدة التي تعتزم إضافة نحو 90 مليار متر مكعب لطاقتها التي تبلغ 14 مليار متر مكعب سنوياً حالياً، ما يمكنها من أن تصبح ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بنهاية 2022 بطاقة تصديرية تبلغ 106.7 مليار متر مكعب سنوياً. ومن المتوقع أن يصل الإنتاج الأمريكي إلى 890 مليار متر مكعب بحلول عام 2022، ما سيشكل 22 في المئة من إجمالي إنتاج الغاز العالمي. أما قطر وبرغم كل الاستثمارات فإنها ستتراجع إلى المركز الثالث بطاقة 104.9 مليار متر مكعب سنوياً، رغم أنها تخطط لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 30 في المئة إلى 100 مليون طن (140 مليار متر مكعب) لرفع حصتها من سوق الغاز العالمية من 17 في المئة حالياً إلى 30 في المئة بنهاية 2030. وتفتقر سياسة الإغراق القطرية إلى منطق استثماري سليم فهذه الاستثمارات الضخمة لا يمكنها أن تحقق عائداً على الاستثمار عن مستوى أقل من 8.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وهذا السعر يقل بنحو دولارين على أقل تقدير عن السعر الحالي للغاز في الأسواق العالمية. وتتوقع الوكالة الطاقة الدولية أن تصل طاقة التصدير العالمية للغاز المسال إلى 650 مليار متر مكعب سنوياً بنهاية 2022 مقارنة مع أقل من 452 مليار متر مكعب سنوياً في 2016. وتضاف هذه الطاقة الإنتاجية الجديدة إلى سوق وفيرة الإمدادات بالفعل، بسبب انخفاض الطلب في بعض البلدان الكبيرة المستوردة مثل اليابان. ويقدر خبراء الطاقة حجم الطلب على الغاز بحلول عام 2022 بنحو 460 مليار متر مكعب سنوياً، ما يعني أن السوق ستعاني من طاقة فائضة تصل إلى 190 مليار متر مكعب، وذلك يفرض ضغوطاً على أسعار الغاز ويثبط استثمارات المنبع. وفي المقابل، فمن المتوقع زيادة الطلب العالمي على الغاز 1.6 بالمئة إلى أربعة آلاف مليار متر مكعب بحلول عام 2022، وهو ما يزيد بقليل عن توقعات العام الماضي التي كانت تشير إلى زيادة الطلب 1.5 في المئة، والنسبة الأكبر من زيادة الطلب ستأتي من الدول النامية بقيادة الصين.