الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

قاطرة النمو الخليجي

تمثل العلاقات الاقتصادية بين السعودية والإمارات قاطرة لنمو الاقتصاد الخليجي تضعه في المكانة اللائقة به على خريطة الاقتصاد العالمي، وتقيه مخاطر الأزمات العالمية، وتضمن له القدرة على منافسة التكتلات الاقتصادية الإقليمية. وترقى العلاقات الاقتصادية بين السعودية والإمارات إلى مرتبة التحالف الاقتصادي، وهو تحالف ليس وليد صدفة أو مصلحة طارئة أو استجابة لتحديات عارضة، وإنما تفرضه وحدة العرق والمصير والتاريخ والدين والعادات والحدود المشتركة. وتعكس الاتصالات والمشاورات والزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين على المستويات كافة، عمق التعاون والتنسيق في مختلف المحافل العربية والإقليمية والدولية. ويمثل التحالف الاقتصادي بين البلدين امتداداً طبيعياً للتحالف بينهما في المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية النابعة من الرغبة المشتركة في تحقيق الرخاء للجميع وضمان التنمية المستدامة وحفظ ثروة الأجيال المقبلة. صعود صاروخي لم يكن للاقتصاد الخليجي حتى مطلع القرن العشرين دور يذكر لا في الاقتصاد العالمي ولا حتى على المستوى الإقليمي، والذي كان نشاطه الاقتصادي قاصراً على ما يحدث في مصر والهلال الخصيب وتركيا وإيران. لكن مع ثورة النفط في النصف الثاني من القرن العشرين تغيرت معادلة القوي الاقتصادية في الشرق الأوسط، وأصبحت الدول الخليجية لاعباً رئيساً ليس فقط على المستوى الإقليمي وإنما على المستوي الدولي أيضاً. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن إجمالي الناتج المحلي الخليجي يمثل نحو 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للعالم العربي. وتجاوز إجمالي الناتج المحلي الخليجي في عام 2016 نحو 1.39 تريليون دولار من إجمالي الناتج المحلي العالمي في تلك الفترة والذي بلغ نحو 77.988 تريليون دولار، فيما بلغ إجمالي الأصول الأجنبية للدول الخليجية نحو 3.1 تريليون دولار. ولا تنبع أهمية الاقتصاد الخليجي للاقتصاد العالمي من ضخامة إجمالي ناتجه المحلي قياساً إلى تعداد سكانه، وإنما تنبع أيضاً من الدور الحيوي الذي يلعبه الاقتصاد الخليجي في النظام المالي العالمي. ومع طفرة أسعار النفط في أعقاب حرب أكتوبر 1973 ارتفعت أرصدة الدول الخليجية من الفوائض المالية التي تديرها الصناديق السيادية الخليجية، من 600 مليار دولار إلى أكثر من 2.3 تريليون دولار، بحسب تقديرات المعهد الدولي للصناديق السيادية، ويمثل هذا المبلغ 36 في المئة من إجمالي استثمارات الصناديق السيادية في العالم. كما تلعب الدول الخليجية دوراً مهماً في تحفيز جهود الدول النامية في تحقيق التنمية المستدامة والخروج من قبضة الفقر، ليس فقط عبر المساعدات الاقتصادية، وإنما أيضاً عبر تحويلات العمالة الوافدة في دول الخليج، والتي تسهم في إنعاش اقتصاديات دولها الأم. والأهم من كل ذلك بالطبع أن دول الخليج تملك احتياطات هائلة من البترول وتسيطر على نحو 25 في المئة من إجمالي النفط في العالم، كما أنها تملك نحو 40 في المئة من إجمالي احتياطيات النفط المؤكدة عالمياً. قاطرة النمو الجانب الأكبر من أهمية الكتلة الخليجية للاقتصاد العالمي مصدره دولتان فقط، هما السعودية والإمارات، حيث بلغ الناتج المحلي السعودي العام الماضي نحو 708 مليارات دولار بنسبة 46 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الخليجي، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 837 مليار دولار بحلول عام 2022. فيما بلغ إجمالي الناتج المحلي الإماراتي نحو 407 مليارات دولار بنسبة 26 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الخليجي في العام ذاته، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 541 مليار دولار بحلول عام 2022. أي أن إجمالي الناتج المحلي للسعودية والإمارات يمثل نحو 72 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الخليجي، بينما تستحوذ بقية دول مجلس التعاون الخليجي الأربعة الأخرى على نسبة الـ 28 في المئة الباقية. وتشير التقديرات إلى أن زيادة إجمالي الناتج المحلي في البلدين بنسبة عشرة في المئة فقط يمكن أن تؤدي إلى رفع إجمالي الناتج الخليجي إلى 1.5 تريليون دولار، وبالنظر إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين والذي تجاوز 80 مليار درهم، لا تبدو هذه الزيادة صعبة التحقيق. اقتصاد عملاق تحل السعودية في المرتبة الـ 17 في قائمة أقوى الاقتصاديات العالمية، وهي الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين التي تستحوذ على أكثر من 85 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وتملك السعودية أكبر اقتصاد عربي، ويزيد إجمالي ناتجها المحلي على إجمالي الناتج المحلي للكثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وتستحوذ السعودية على أكبر احتياطيات بترولية في العالم، وهي المصدر الأكبر للنفط في العالم، كما أنها تملك عمقاً سكانياً هو الأكبر في منطقة الخليج، ويقدر بنحو 29 مليون نسمة. وفي عام 2014 وصلت الاحتياطيات الأجنبية للسعودية إلى نحو 737 مليار دولار، فيما حققت في عام 2013 فائضاً في الميزانية بنحو 54.9 مليار دولار. وفي المقابل، تملك الإمارات الاقتصاد الأكثر تنوعاً في العالم العربي والشرق الأوسط والأكثر إندماجاً في الاقتصاد العالمي، وتحل في المرتبة الـ 30 في قائمة أكبر الاقتصاديات العالمية، وتتمتع بأكبر قدر من الاستقرار الاقتصادي بفضل تقليص اعتمادها على النفط. وتعد البيئة الاستثمارية في الإمارات الأكثر جاذبية في الشرق الأوسط، وتعكس تقارير التنافسية الدولية المتعاقبة التقدم المتواصل الذي تحرزه الإمارات على مختلف المؤشرات الرئيسة والفرعية. وتملك الصناديق السيادية للإمارات نحو 975 مليار دولار، وتحتل المرتبة الـ 15 عالمياً بحسب تصنيف المعهد الدولي للصناديق السيادية، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 80 مليار درهم ما يجعل السعودية أكبر شريك تجاري للإمارات في المنطقة، ووصل حجم الاستثمارات السعودية في الإمارات إلى نحو 35 مليار درهم بنسبة أربعة في المئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الإمارات، وهناك نحو 2300 شركة سعودية تعمل في الإمارات ونحو 206 مشاريع لمستثمرين سعوديين في الإمارات. وفي المقابل هناك نحو 114 مشروعاً إماراتياً في السعودية، وتقدر قيمة الاستثمارات الإماراتية في السعودية بنحو 15 مليار درهم بنسبة ثمانية في المئة من إجمالي الاستثمار المباشر في المملكة. وتفرض الإمكانات الضخمة التي تملكها الدولتان التكامل الاقتصادي بينهما لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة لهما. وتستطيع الإمارات بوصفها مركزاً تجارياً عالمياً أن تفتح أفاقاً أرحب للاقتصاد السعودي للاندماج في الاقتصاد العالمي والتوسع في تصدير المنتجات والسلع غير النفطية. وتشير التجربة العالمية إلى أن الشركات العالمية التي بدأت أعمالها في الإمارات للاستفادة من المناخ الاستثماري سرعان ما توسعت في الدول المجاورة وبصفة خاصة السعودية للاستفادة من ضخامة حجم السوق. رؤية المملكة يفتح إعلان الرؤية الاقتصادية للسعودية 2030 آفاقاً رحبة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين السعودية والإمارات في ظل التحولات الجذرية التي من المتوقع أن تحدثها الرؤية الجديدة في السياسات الاقتصادية الجديدة للمملكة. وبحسب صندوق النقد، فإن المملكة بدأت تحولاً جوهرياً في سياساتها لمواجهة انخفاض أسعار النفط، حيث أجرت الحكومة سلسلة إصلاحات على مدار العام الماضي، وشرعت أخيراً في خطط جريئة وطموحة لتحويل الاقتصاد السعودي عبر «رؤية السعودية 2030» وبرنامج التحول الوطني. وتتمثل أهم أولويات السياسة في تنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص وتنفيذ عملية تدريجية ولكنها كبيرة ومستمرة لضبط أوضاع المالية العامة بما يحقق توازناً في الموازنة في غضون خمس سنوات. ويؤكد الصندوق أن رؤية السعودية 2030 ستسهم في تعافي الاقتصاد السعودي العام الجاري حيث من المتوقع أن يصل معدل النمو الإجمالي للناتج المحلي إلى اثنين في المئة. وتملك الشركات الإماراتية خبرة طويلة يمكن أن تسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة ولا سيما في قطاعات حيوية مثل النظام المصرفي والقطاع العقاري والسياحة، وبناء وتطوير المواني والمطارات وتطوير التشريعات الاقتصادية الجاذبة للاستثمار الأجنبي وتحويل الخدمات الحكومية إلى خدمات ذكية عبر المنصات الإلكترونية. ويعد مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية الذي طوّرته شركة إعمار في موقع استراتيجي متميز نموذجاً للدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات الإماراتية في إطلاق الطاقات الكامنة الهائلة التي يملكها الاقتصاد السعودي. وفي الأعوام القليلة الماضية أصبحت مدينة الملك عبدالله الاقتصادية التي تكلفت 100 مليار ريال سعودي محركاً رئيساً لعجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي في المملكة. وأسهم المشروع الممتد على مساحة 168 مليون متر مربع، على ساحل البحر الأحمر، في إنعاش الاقتصاد السعودي عبر عناصره المتنوعة التي تتضمن ميناء ومنطقة صناعية ومشاريع سكنية. ويقف القطاع السياحي في مقدمة القطاعات المرشحة للاستفادة من تنامي التعاون الاقتصادي بين الجانبين، خصوصاً في ضوء المشاريع السياحية العملاقة التي أعلنت عنها السعودية في إطار برنامج التحول الوطني.