السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

سقوط «خرافة» داعش .. لا تنظيم ولا «دولة»

سقطت «خلافة» داعش المزعومة، تقطعت أوصال التنظيم الإرهابي، تشتت عناصره في أرجاء العالم، انتصار كبير قضى على طموحات التنظيم الإرهابي الأكثر دموية في التاريخ الحديث، ولكن ما زالت هناك تساؤلات عدة، أبرزها: ماذا بعد نهاية داعش، هل سينتهي هذا الكيان المتطرف، أم سيستجمع شتاته مره أخرى ويعود أقوى من ذي قبل، أم سيولد من رحم هذا التنظيم تنظيمات أخرى أكثر تطرفاً؟ .. أسئلة كثيرة وسيناريوهات عدة محتملة نحاول الإجابة عنها:

الواقع أن منهج تلاميذ أبوبكر البغدادي وأبومصعب الزرقاوي، لا يختلف كثيراً عن تلاميذ حسن البنا وسيد قطب، أو أتباع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، فجميعهم ينتهجون العنف والدموية، ولكُلٍّ أسلوبه في محاولة تشويه صور الإسلام والمسلمين.

ومن هذا المنطلق يؤكد خبراء وتحليلات أمنية، أن تنظيم داعش الإرهابي سيستمر في منهجه ذاته، بعد فقدانه أرض «الخلافة» المزعومة، ولكن وفق سيناريوهات عدة محتملة.


وتراوح هذه السيناريوهات ما بين سعي التنظيم للسيطرة على بُقعة أخرى في إحدى المناطق التي ينشطون فيها في دول عدة حول العالم، أو حدوث عملية انشقاقات بين أعضاء التنظيم ليخرج منها تنظيمات أخرى أكثر تطرفاً.


ويُضاف إلى ذلك، وجود سيناريو آخر يرجعه أغلبية الخبراء والمحللين يقوم على أنه عقب نهاية داعش باعتباره تنظيماً على الأرض، سوف يتجه كعادة، من سار على المنهج ذاته من التنظيمات العقائدية المتطرفة، والتي تسلك العمل العنقودي بعد فشلها في تحقيق أهدافها، خصوصاً أن داعش قبل أن يسيطر على مساحة أرض تعدل مساحة بريطانيا في 2014، نشأ باعتباره تنظيماً سرّياً في العراق قبل أربع سنوات من إعلان «الخلافة» المزعومة، وسبق ذلك بسنوات، عمل التنظيم السري، ضمن تنظيم «التوحيد والجهاد»، وتبعه «مجلس شورى المجاهدين»، وهو ما يذهب إليه الباحث في الحركات الإرهابية، صلاح الدين حسن.

ويرى حسن، أنه خلال السنوات الأربع الماضية من سيطرة داعش على الأرض، شكّل التنظيم قنوات تنظيمية، سوف تتحرك في الفترة المقبلة على أساس العمل السري، والاستعانة بالخلايا النائمة للقيام بتفجيرات وعمليات إرهابية للتعبير عن وجودها، ويمكن أن تتجه عملياته لخدمة توجهات دول معينة، مثل استهداف الأكراد، بما يحقق تقارباً مع تركيا، أو القيام بعملياته لتغذيه الطائفية في العراق.

المقاتل الشبح

ويشير الباحث العراقي في الشؤون الأمنية والجماعات المتطرفة، هاشم الهاشمي، إلى أن اللجنة المفوضة في تنظيم داعش أدركت أنها بعد هزيمتها في العراق وسوريا وليبيا، يجب على القادة الذين يخططوا لعمليات المقاتل الشبح، القائمة على العمليات الإرهابية الخاطفة، أن يكونوا على إلمام جيد بأربعة أمور: هي أن إدارة التنظيم قبل سقوطه عملت على تشكيل لجان عدة تتولى العمل السري، وعلى رأسها الإدارة المالية والتمويل الذاتي لـ «الولايات» التي سمّاها البغدادي، والتي من خلالها يستطيعون إدارة اقتصاد الحرب في مرحلة العسرة الحالية، ولكي يستطيعوا التحايل على النظام والرقابة المالية الدولية التي تطارد وتلاحق عملياتهم المالية.

أما ثاني هذه التكتيكات، فهو تطوير أساليب التخفي من دوائر المعلومات والاستخبارات والقدرة على الحصول على الوثائق الشخصية الثبوتية التي من خلالها يمكن التحرك بحرية، وتطوير التخفي ضمن عالم الإنترنت، وتطوير كوادرهم لحماية أمن المعلومات الخاص بسلامتهم الشخصية وكل ما يتعلق بالهيكل التنظيمي.

أما التكتيك الثالث، فيعتمد على العناصر المحلية في القيام بالعمليات الإرهابية، ويشير الهاشمي إلى أن التكتيك الرابع في العمليات الخارجية يعتمد على من لديهم الخبرة في المناطق التي توجد فيها شبكات التنظيم، ولديهم القدرة على إدارتها بحزم أمني وعسكري بما يمكنه من تنفيذ عملياته الإرهابية.

قيادات التوجيه

ويشير الهاشمي إلى أن العمل السري داخل المدن يعتبر جزءاً من ضمن أساليب اختيار قيادات داعش، بعد خطاب البغدادي الأخير، وحسب المعلومات الاستخبارية، هناك عشرة قيادات تم اختيارها وفقاً لتلك الأساليب والمواصفات، وعلى رأسهم التركي ـ الفرنسي سوكرو تونجر، والذي يتولى مع مساعده السعودي أبوعمار الشمري، تنسيق العمليات الإرهابية في فروع التنظيم حول العالم.

أما بالنسبة إلى رأس التنظيم في العراق وسوريا، فيؤكد الهاشمي أنها أُسندت إلى مسؤول ديوان الجند أبوصالح الشمري، ومسؤول الأمن والاستخبارات ناشد فهد العيساوي (أبوصهيب العراق)، والمشرف الإداري والمالية على ولايتي العراق والشام، والمسؤول عن عمليات العراق معتز علي صالح العيثاوي، والمسؤول عن عمليات التمويل في العراق إبراهيم العيساوي (أبوزياد)، ومسؤول العمليات في منطقة الهجين السورية مصطفى منصور الراوي (أبوطلحة)، والمشرف على اللجنة الأمنية لولايتَي العراق والشام ميثاق طالب علوان الجنابي، والمشرف على نينوى وصلاح الدين، خضر راشد (الفني).

ولفت الهاشمي إلى أن اختيارات البغدادي تسير في العمل على ربط التنظيم بين سوريا والعراق، مستبعداً الأجانب في القيادات، باستثناء العمليات الخارجية التي أُسندت إلى قيادي تركي ومساعده السعودي.

بؤرة جديدة

ويتوافق ما أشار إليه المحلل العراقي، مع توقع الباحث صلاح الدين حسن، بأن التنظيم الإرهابي سوف يركز في منطقة جديدة، حتى يتمكن من إقامة نفوذ له على الأرض، وذلك لتكون مأوى لعناصره الأجنبية التي باتت مكشوفة أمنياً ويصعب عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.

وتعد منطقة خراسان على الحدود الأفغانية الباكستانية، أو الصومال، مناطق مرشحة أن تتحول لبؤر داعشية تستقطب المقاتلين الأجانب.

ويأتي سبب اختيار تلك المناطق للهشاشة الأمنية فيها، ووجود بيئة خصبة وتنتشر فيها عصابات ومجموعات إرهابية أخرى تسمح بوجود الإرهابيين الأجانب، حسب الباحث في شؤون الإسلام السياسي منير أديب، والذي يضع أيضاً منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، خصوصاً في المنطقة على حدود ليبيا أو تشاد والنيجر باعتبارها منطقة يتوقع أن يسعى التنظيم لبسط نفوذه عليها.

ولا يستبعد أديب أن يحاول التنظيم إعادة نشاطه على الأرض في منطقة الحدود العراقية السورية، خصوصاً مع تزايد التوقعات بتدخل عسكري تركي لاستهداف الأكراد في سوريا، وهو ما يعيد المنطقة مرة أخرى إلى حالة الهشاشة الأمنية، ما يسهل فرصة داعش للعودة.

ويتشابه ذلك مع تحذيرات لأجهزة أمنية عالمية، من إمكانية سيطرة داعش على مناطق جديدة، سواء في أفريقيا أو آسيا، وذلك لحرص التنظيم على أن يستغل الثروات الضخمة التي تجمّعت له من عمليات النهب، أو بيع النفط، خلال سيطرته على المناطق في سوريا والعراق، والتي كانت أحد مصادر الدعم، حيث كشف أخيراً عن ما يزيد على 40 طناً من الذهب، كانت مع عناصر داعش المحاصرين في قرية الباغور في سوريا.

دموية

أكد الباحث في الحركات الإسلامية أحمد بان، أن التنظيم الإرهابي، سوف يعود إلى نهجه الدموي في العمليات الإرهابية، رغبة في الانتقام، متوقعاً قيام التنظيم تفجيرات أكثر عنفاً، ليس فقط لأهداف عسكرية أو أمنية أو حتى اقتصادية، بل بغرض أحداث أكبر قدراً من الفزع في إطار خطط التنظيم الإرهابي للعودة إلى «شوكة النكاية».

وأوضح بان، أن العمليات الإرهابية في مرحلة «النكاية»، لن تتوجه فقط إلى أراضي العراق وسوريا، بل ستقول على محاولة تنفيذ عميات في أي بقعة يستطيع عناصر التنظيم الوصول إليها، محذراً من أن المجموعات الإرهابية التي خرجت بين المدنيين بعد محاصرة داعش في سوريا، سوف تكون أحد أهم العناصر التي ستقوم بعمليات إرهابية، والذين سوف يعتمد عليهم في بناء شبكات جديدة للتنظيم، اعتماداً على العناصر الأجنبية التي هربت للتنظيم.

ويشير بان إلى أن هذه العناصر سوف تسعى لاستقطاب مجموعات جديدة، يسعى لربطها بـ «الخلايا النائمة»، في تنفيذ عمليات إرهابية، بما يخدم على أعمال التنظيم الانتقامية.

تفكُّك

يُطرح سيناريو آخر عن تنظيم داعش الإرهابي، كعادة جميع التنظيمات المتطرفة، وهو حدوث انشقاقات، وخروج تنظيمات منها أكثر تطرفاً لدرجة أن يكفر التنظيم نفسه، وهو ما ظهر بالفعل قبل نهاية التنظيم على الأرض.

وظهر فريقان يكفر كل منهما الآخر، الأول تيار من المنظرين التكفيريين في داعش ويسمى تيار «الحازمية»، نسبه إلى الإرهابي أحمد عمر الحازمي، والذي كان أحد القضاة في التنظيم، ومُنظّر ما يعرف بالجناح التكفيري الكلي، قبل اعتقاله من قبل السلطات السعودية في 2015، وانضم فريق كبير من عناصر داعش إلى الفريق «الحازمي»، بقيادة أبوجعفر الحطاب، بعد مقتل قائده أحمد الحازمي، وضمت هذه المجموعة عناصر من دول عربية عدة، وتشتهر هذه المجموعة بأنها الأكثر إرهاباً وتكفيراً، ووصل بهم الأمر إلى تكفير أمير التنظيم أبوبكر البغدادي، وذلك بعد رفضه تكفير زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وطبقاً لعقيدتهم، فإنه «من لم يكفر من يكفروه فهو كافر». وتشير معلومات إلى أن هذه المجموعة حاولت قتل أبوبكر البغدادي عن طريق «أبومعاذ الجزائري»، والذي رصد تنظيم داعش مكافأة لمن يقتله، بعد محاولة اغتيال البغدادي، طبقاً لتقارير صحافية.

في المقابل، ظهر تيار ثانٍ يُعرف بـ «البنعلي»، نسبه إلى القيادي السعودي في التنظيم تركي البنعلي «المفتي» العام السابق لداعش، وأحد تلامذة «المفتي» الأكبر أبومحمد المقدسي، وانتقد البنعلي منهج «الحازمية»، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى قتل تركي البنعلي على أيدي التيار الحازمي.

أين البغدادي؟

مع قُرب القضاء على آخر بؤرة لتنظيم داعش في دير الزور السورية، أصبح هذا السؤال الأكثر إلحاحاً دون إجابة واضحة، بعد أن كان يعتقد أن يكون البغدادي موجوداً في آخر جيوب التنظيم بدير الزور، ونفت القيادات العسكرية الأمريكية اعتقال البغدادي، المطلوب رقم واحد عالمياً، ورصدت واشنطن مكافأة 25 مليون دولار لمن يرشد عليه.

وتباينت الروايات حول اختفاء البغدادي، ما بين اختبائه في المنطقة الصحراوية بين سوريا والعراق، خصوصاً في منطقة الحسكة، مع تخفيه في زيٍّ مدني، حتى لا يتم رصده أمنياً، بينما ترجع مصادر استخباراتية، اختباءه في إحدى المناطق النائية من المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، دون الكشف عن هويته.