الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

100 ميليشيا «إيرانية» خارج سيطرة الدولة العراقية

100 ميليشيا «إيرانية» خارج سيطرة الدولة العراقية

مقاتل من كائب حزب الله العراقي. (رويترز)

مثل كرة ثلج، تدحرجت، كبرت ثم تناثرت، تلك هي الميلشيات المسلحة الموالية لإيران في العراق، بدأت بميليشيا واحدة هي «فيلق بدر» الذي تأسس في إيران عام 1981 من قبل الحرس الثوري لمقاتلة الجيش العراقي خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، كما كانت مهمتها تعذيب الأسرى العراقيين وإجبارهم على الانضمام إليها تحت مسمى (التوابون)، وإعدام كل من كان يرفض.

كانت ميليشيات «فيلق بدر» الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي ودخلت إلى العراق مع زعيم المجلس آنذاك محمد باقر الحكيم بعد سقوط بغداد في 2003، وكانت، وما زالت بزعامة هادي العامري، وأقدمت هذه الميليشيات على إعدام واغتيال الكثير من ضباط الجيش العراقي السابق، فقبلها لم يعرف العراقيون ماذا تعني الميليشيات حيث لا وجود لها.

ميليشيات «فيلق بدر» هي كرة الثلج التي تناثرت إلى ميلشيات قدر رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي عددها بـ 100 فصيل مسلح، وقال قبل أكثر من عامين عندما كان، أيضاً، القائد العام للقوات المسلحة، إن «هناك 100 فصيل مسلح خارج سيطرة الدولة ولهم هويات وأسماء ومقرات».


الميلشيات المسلحة، أو «الوقحة» على حد تسمية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والذي قال عنها «ميلشيات وقحة تريد أخذ زمام الأمور بيدها لبسط نفوذها بالذبح والاغتيالات».. تمويلها وتسليحها وتدريبها يتم من قبل الحرس الثوري الإيراني، وولاؤها كاملاً لإيران، وهي «بمثابة دولة داخل دولة» بحسب ما كشف لـ «الرؤية» البرلمانيان العراقيان ظافر العاني وكاظم الشمري.


«الرؤية» تفتح ملف الميليشيات الموالية لإيران في العراق: تمويلها، تدريبها، معسكراتها، قوتها، وولاؤها.

* جرائم موثقة

الزعيم الديني مقتدى الصدر أكد أن الميليشيات «الوقحة تمارس جرائم الذبح والاعتداء على المدنيين من غير الدواعش بغير حق، وتريد أخذ زمام الأمور بيدها لبسط نفوذها بالذبح والاغتيالات وتشويه سمعة الإسلام».

في شوارع بغداد، كشوارع بقية المحافظات العراقية، تكشف عدد اللافتات والصور والشعارات حجم ونفوذ وقوة هذه الميلشيات المدعومة إيرانياً، والتي «تتحكم في الشارع العراقي وفي القرار الحكومي مع أنها تأتمر بأوامر قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني»، بحسب برلماني عراقي أكد أنها عبارة عن «دولة داخل دولة».

الغريب أن لا أحد من المسؤولين الحكوميين أو البرلمانيين يستطيع أن يحدد عدد هذه الميلشيات في الساحة العراقية، ولكن الأمر المؤكد هو أن جميع الأحزاب الشيعية لها ميليشيات مسلحة، أو أكثر، هي بمثابة الجناح العسكري الخاص بها.

قبل أكثر من عامين كشف حيدر العبادي عندما كان رئيساً للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، للإعلام عن «وجود 100 فصيل مسلح غير شرعي وليس تحت سيطرة الدولة، ولهم هويات ومقرات في بغداد».

وفي 31 أكتوبر 2018 نشرت السفارة الأمريكية في بغداد بياناً مقتضباً قالت فيه «مع تبقي ستة أيام على الموعد النهائي لفرض العقوبات على إيران، هذا هو المطلب السادس كي يتصرف نظام إيران كدولة عادية: يجب على النظام الإيراني احترام سيادة الحكومة العراقية، والسماح بنزع سلاح الميليشيات الطائفية وتسريحها وإعادة دمجها».

وجاء هذا الوصف في إشارة إلى «الحشد الشعبي»، الذي تعتبره الولايات المتحدة عميلاً لإيران وتدعو لحله منذ أشهر طويلة.

وبحسب مصدر أمني عراقي رفيع المستوى، فإنه يبدو أن الإدارة الأمريكية قد دقت جرس الإنذار للتخلص من هذه الميلشيات وسحب سلاحها وحلها كونها الذراع الأكثر خطورة في العراق ضد الحكومة العراقية وضد المصالح الأمريكية.

المصدر الأمني الذي قدم نفسه باسم (م. الجنابي) كشف عن أن الجنرال أوستن رينفورث قائد العمليات للتحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة واشنطن، في العراق، سلم مؤخراً لرئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، قائمة تضم 67 فصيلاً مسلحاً (ميليشات) عراقية موالية لإيران وتعمل على الساحتين العراقية والسورية، ولا بد من حلها وسحب السلاح منها.

وفي ضوء غياب الإحصائيات الرسمية أو الدقيقة لعدد الفصائل المسلحة، والتي غالبيتها تكاثرت بطريقة انشطارية، أي انشقاق أو انشطار ميليشيات عن أخرى، فمثلاً ميليشيا العصائب انشقت عن ميليشيا جيش المهدي التي حلها الصدر وانشأ بدلاً عنها سرايا السلام، وعن العصائب انشقت ميليشيا النجباء.

الحكومة العراقية تعتبر الفصائل المنضوية تحت خيمة ميليشيا الحشد الشعبي قانونية، أو أنها تتمتع بغطاء قانوني، وهذا ما أعطى لهذه الميلشيات حرية أكبر في توسيع دائرة جرائمها الإرهابية.

* الحشد الشعبي

تعد عملية تشكيل ميليشيات الحشد الشعبي في 13 يونيو 2014 التطور الأكثر خطورة الذي ظهر على الساحة العراقية في هذا الإطار العسكري الميليشياوي، بعد فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقها المرجع الشيعي علي السيستاني، بحجة محاربة تنظيم داعش في الموصل.

واستغلت غالبية الفصائل المسلحة والأحزاب الشيعية «الحشد الشعبي» كمؤسسة عليا ينضوي الجميع فيها، وأنها تمثل توجهًا شيعيًا مسلحًا.

وهناك من استجابوا «لنداء المرجعية» من الشباب وكبار السن وتطوعوا للحشد الشعبي طمعاً في الرواتب والامتيازات، بسبب نِسب البطالة المرتفعة، التي لم يحصلوا عليها، وهؤلاء في غالبهم لا يُجيدون القتال وليست لديهم خبرة عسكرية، ويقدر عدد مقاتلي ميليشيا الحشد الشعبي بأكثر من نصف مليون متطوع.

* تحالفات

أشهر الميليشيات التي انضمت للحشد الشعبي هي بدر، عصائب أهل الحق، سرايا السلام، كتائب حزب الله العراقي، سرايا الخراساني، النجباء، جند الأمام، ألوية العباس، جند الله، كتائب سيد الشهداء، كتائب الإمام علي، سرايا الجهاد، سرايا أنصار عاشوراء، جيش المؤمل، وبابليون «فصيل مسيحي مسلح مدعوم أيضاً من قبل إيران».

* هيمنة

يقول عضو البرلمان العراقي المستقل ظافر العاني عن مدى قوة وسيطرة الميليشيات المسلحة على الشارع العراقي «سيطرة الميليشيات المسلحة أكبر وأكثر قوة من سيطرة القوات المسلحة العراقية، وأعني الجيش والشرطة»، مشيراً إلى أنه «كل ما جاءت حكومة جديدة رفع رئيسها شعار حصر السلاح بيد الدولة، وهذا لم ولن يتحقق لأن الميليشيات وببساطة أقوى من الحكومة ومن الدولة».

ويشير العاني، وهو برلماني مخضرم، إلى مسألة في غاية الخطورة وهي «وجود المكاتب أو الدوائر الاقتصادية والتجارية لكل ميليشيا، حيث سيطرت على منابع النفط في القيارة بالموصل، وسرق مصفى نفط بيجي من قبل كتائب حزب الله العراقية التابعة لحزب الله اللبناني، وسيطرت العصائب على أنبوب نفط العلاس في نينوى، وعلى مطار النجف، وعلى ممتلكات المواطنين المهجرين خارج العراق وداخله».

ولفت البرلماني العاني إلى أنه «لا غرابة في أن هذه الميليشيات لا تنكر هذه السرقات ولا تعتبرها عاراً أو عيباً بل هم يتصارعون فيما بينهم لتحقيق سرقات أكبر يفتخرون بها أمام الإعلام وأمامنا في مجلس النواب كأي عصابات رخيصة».

من جهته، أيد كاظم الشمري عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، ما ذهب إليه زميله العاني في هذا المجال قائلاً إن «وجود الميلشيات المسلحة عامل مقلق ومدمر للدولة، بل هم دولة داخل دولة».

وأشار إلى خطورة «منح هذه الميليشيات غطاء قانونياً مثل ما حدث مع الحشد الشعبي، ومن ثم تمكينهم من الترشيح للبرلمان باعتبارها أحزاباً سياسية، ثم تقويتهم اقتصادياً، حيث تنازلت الحكومة عن منشآتها في مجالات صناعية وفي قطاع المقاولات والبناء، مثل هيئة التصنيع العسكري وشركة المعتصم للمقاولات لصالح ميليشيات الحشد الشعبي من أجل دعمها اقتصادياً، وبذلك تحولت هذه الميلشيات إلى قوة خطرة بسبب تمتعها بغطاء سياسي قانوني واقتصادي».

وأضاف البرلماني العاني، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، أن «جميع هذه الميلشيات إيرانية، أي أنها ليست مدعومة من إيران فحسب بل هي إيرانيه في انتمائها وتمويلها وتنفيذها لأوامر الحرس الثوري الإيراني»، مشيراً إلى أن «إيران تجيد تجنيد الآخرين وغالبية الشباب الشيعي انضموا لهذه الميليشيات بسبب البطالة وبحثاً عن مورد مالي، وكذلك لأسباب طائفية مقيتة، كما أن هناك أحزاباً سنية سقطت في حضن إيران وانضمت لها».

وأوضح أن « قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، هو القائد الفعلي لهذه الميليشيات ومساعده أبومهدي المهندس وتوصيفه قانونياً نائب قائد الحشد الشعبي»، مؤكداً أن «جميع قادة هذه الميلشيات لا يترددون أو يستحيون من الإعلان عن أن ولاءهم لإيران وأنهم ينفذون أوامر قاسم سليماني، وإيران تستخدمهم لتحقيق مصالحها، بل أن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف أكد في أكثر من مناسبة أنه إذا ما حدثت معركة مع أمريكا فستكون في العراق.. إيران لن تقاتل بجنودها أو شعبها».

وذكر العاني أن «هناك ميليشيات منضوية تحت خيمة ميليشيا الحشد الشعبي، وأخرى خارج هذه المنظومة ويطلقون عليها (فصائل ولائية) أي أن ولاءهم للمرشد الإيراني الولي الفقيه علي خامنئي، وبعض هذه الفصائل مرتبطة بالمرجع علي السيستاني».

وفي هذا الجانب يؤكد الشمري، وهو على اطلاع دقيق بتاريخ ومهمات الميليشيات المسلحة، قائلاً «مع أن ميليشيا الحشد الشعبي، قانونياً مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية لكنها لا تأتمر أو تذعن للقيادة العامة للقوات المسلحة أو للحكومة العراقية، بل إن ولاءها لإيران وتعد إحدى تشكيلات الحرس الثوري الإيراني»، منبهاً إلى أن «قادة هذه الميليشيات يصرحون في الإعلام قائلين إذا تلقينا أوامر من خامنئي ومن الحكومة العراقية فسوف ننفذ أوامر خامنئي وليست أوامر الحكومة العراقية». واستطرد «لا غرابة في ذلك كون تمويلهم وتوجههم وتسليحهم إيرانياً».

ويحذر البرلماني العاني من أن «ممارسات الميلشيات المسلحة أصبحت خطيرة جداً على الأوضاع الأمنية والاجتماعية، والدولة عاجزة عن مواجهتها أو الحد من ممارساتها»، مشيراً إلى أن «مستوى تدريب وتسليح الميليشيات عال جداً، حيث يتدربون على أيدي ضباط من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ويتخذون من بلدتي جرف الصخر القريبة من سوريا، والنخيب المحاددة للأراضي السعودية والكويت معسكرات لهم وتمتلك هذه الميلشيات دبابات وعربات مدرعة وقواعد إطلاق صواريخ».

وعما يتم تداوله من أخبار حول نية الإدارة الأمريكية إنهاء وجود الميلشيات المسلحة في العراق، قال العاني «هذه هي النيات المعلنة ولا أعرف مدى جدية الإدارة الأمريكية في هذا الموضوع، لكن الملاحظ أن قادة الميلشيات أصابهم نوع من الإرباك وقللوا حركتهم بل إن معلوماتنا تشير إلى نقل أرصدتهم لبنوك في لبنان وإيران».

الشمري، من جانبه، نبه إلى أنه «لزعماء الميلشيات نفوذ قوي يؤثر في قرارات الحكومة وعلى الاقتصاد والحياة اليومية وعلى العلاقات الخارجية وليس على الجانب الأمني فقط، وأي كلام عن سحب السلاح منهم أو حل الميلشيات هو (كلام فارغ) للأسف»، وأضاف أن «هذه الميليشيات تمتلك ترسانات من الأسلحة المختلفة، وبعض أكداس العتاد وضعوها بين الأحياء السكنية ببغداد وخارجها وهذا ما فضحته انفجارات في بعض هذه المخازن قبل أشهر في الأحياء السكنية ببغداد وادت إلى مقتل مدنيين».

وعن إمكانية قيام الميلشيات بانقلاب عسكري ضد الحكومة، قال الشمري «ليس من مصلحتهم القيام بمثل هذا الانقلاب، فالدولة ضعيفة وتحقق مطالبهم، بل هي بأيديهم ويستطيعون تعطيلها فلماذا ينقلبون عليها».

وأضاف أن «كل ميليشيا تسيطر على منطقة معينة وتهيمن على كل ما فيها من موارد وتجارة وعقارات، بل امتدت سيطرتها على مناطق في الموصل والأنبار والمناطق التي تم تهجير أهلها بسبب قتال داعش».