2019-07-18
قال خبراء ومحللون إن الاتفاق الجديد في السودان بين المجلس العسكري الحاكم وقادة حركة الاحتجاج يحمل فرص نجاح تتركز في إمكانية إصلاح الخدمات المدنية والقضاء، ونذر فشل يشترك فيها مع مسلسل ممتد من الاتفاقات الفاشلة على مدى تاريخ السودان.
كان السودان مسرحاً لاتفاقيات عدة خلال تاريخه الحديث، وخاضت الحكومات المتعاقبة (مدنية وعسكرية)، جولات مباحثات لا تحصى، تمخضت عن اتفاقيات مع فصيل معارض أو حركة مسلحة، حتى يمكن أن يطلق المراقب على السودان - بلا مبالغة - بلد (المعاهدات والاتفاقيات المهدرة).
وبعد نجاح ثورة ديسمبر، وإزالة نظام البشير - الحكم الأطول في عمر السودان، والذي كان له نصيب الأسد من تلك الاتفاقيات - خاضت قوى الحرية والتغيير (قحت)، جولات مفاوضات عدة مع المجلس العسكري الانتقالي، توجت يوم الأربعاء بتوقيع اتفاق سياسي يتيح إنشاء هياكل الحكم في الفترة الانتقالية.
نص الاتفاق على تشكيل مجلسين: مجلس السيادة ومجلس الوزراء. يتألف مجلس السيادة من 11 عضواً منهم خمسة عسكريين وخمسة مدنيين، والعضو الحادي عشر مدني يتوافق عليه الطرفان.
يستمر عمل المجلس أكثر قليلاً من ثلاث سنوات ويرأسه العسكريون 21 شهراً والمدنيون 18 شهراً.
أما مجلس الوزراء فتختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيسه. ويختار رئيس الوزراء 20 عضواً كحد أقصى لعضوية المجلس، ويحتفظ العسكريون باختيار وزيري الدفاع والداخلية.
وسيحدد الإعلان الدستوري المرتقب صلاحيات مجلسي السيادة والوزراء.
ويناقش مجلس السيادة تشكيل مجلس تشريعي خلال 90 يوماً. وستشكل لجنة تحقيق مستقلة في إحداث العنف بالبلاد خلال فترة الاحتجاجات منذ الإطاحة بالرئيس البشير في أبريل الماضي.
الإرادة السياسية
ولكن، السياسيون انقسموا ومعهم الشارع السوداني حول هذا الاتفاق المبدئي، وبرز العديد من المخاوف بين مكونات (قحت) نفسها.
أكثر من ذاك، خرج الحزب الشيوعي السوداني، وهو من فصائل (قحت)، ببيان يدين فيه الاتفاق، ويرى فيه تنازلاً عن مكتسبات الثورة.
وأكد المتحدث باسم تجمع المهنيين الدكتور أمجد فريد، وهو التجمع الذي قاد الاحتجاجات، أن وثيقة الإعلان الدستوري التي تأجل توقيعها تمثل معضلة مهمة في هذا الاتفاق.
ويرى فريد أن "هذا الاتفاق هو أمر واقع وتحفه كثير من المخاوف المشروعة"، مشيراً إلى عدة عوامل مشتركة مع الاتفاقات المهدرة في السابق، وشرعية المخاوف من أن ينتهي بالفشل.
وقال فريد إن المجلس العسكري يحتاج لإرادة سياسية تدعم استمرار الاتفاق، ويمكن امتحان تلك الإرادة عبر تعامله مع المحتجين ووقف الاشتباكات التي تفتعلها الجهات الأمنية مع المواطنين.
وحسب فريد، فإن المؤسسة العسكرية غير موثوق فيها، ولكن تركيبة (قحت) نفسها تجعلها في موضع نقد، معتبراً أنها تعبر عن الطبقة الوسطى، ولا تستصحب كل مشاكل الإنسان السوداني.
لكنه عاد فأكد أن هذا الاتفاق مدخل وبداية لتحقيق السلطة المدنية، وأن الاكتمال السليم له وتحقيقه سيتمان باستيعاب كل ملاحظات القوى الوطنية ودراستها.
خطر الإخوان
وحذر فريد من معوقات قد تعرقل تنفيذ الاتفاق مثل التدخلات الأجنبية، واصفاً الكثير منها بالسلبي، ونبه أيضاً لخطر تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي المتغلغل في مفاصل الحكم والدولة.
من جهتها، تعتقد الأمين العام للحزب الجمهوري أسماء محمود أن أحزاب (قحت) أتت للتفاوض دون تجربة أو تدريب، وكذلك تجمع المهنيين الذي عانى من حل نقاباته ومطاردة أعضائه إبان العهد البائد، مشيرة إلى أن هذا الإضعاف كان له أثر سلبي في التفاوض والوصول إلى اتفاق مرض للثوار.
أما المجلس العسكري، فترى أنه "امتداد لنظام الرئيس المخلوع"، مضيفة: "كلنا نعرف ما قامت به جبهة الإنقاذ من تمكين في الخدمة المدنية ناهيك عن القوات المسلحة".
وتؤكد أسماء، أن من أكبر إيجابيات الاتفاق الحالي كسر حلقة الجمود التي صاحبت الوضع السياسي، وتمهيد الطريق لبدء تأسيس الحكومة المدنية، مستدركة: "هذا على الرغم من أن الاتفاق لم يأت بما نحلم به من تغيير، ولم يرتفع لمستوى مطالب الثوار ولا هو بقدر التضحيات التي تمت لإحداث هذا التغيير".
وأضافت: "ولكن في الوضع الراهن وفي ظل مجلس عسكري اكتسب وضعية لحكومة قائمة ويتحرك على أساس هذا الفهم، وبالنظر للتعقيدات الكثيرة التي تحف بالوضع الهش في السودان، وتربص (الإسلامويين) وأعداء الثورة بها، فإنني اعتبر هذا الاتفاق إنجازاً يمكن أن تعدله الممارسة الديمقراطية".
فرص ومخاطر
ويقول الدكتور الباقر العفيف مختار، مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، والأمين العام للجان المقاومة السودانية، إن "المجلس العسكري لن يسمح بالدولة المدنية التي تريدها الجماهير الثائرة لذلك فأي اتفاق مهدد بعدم التنفيذ". وأضاف أن مصير الاتفاقات الحالية والمستقبلية مع المجلس "يمكن أن يكون الفشل، لأن المجلس العسكري هو الطفل الشرعي للإنقاذ .. وريثها وامتدادها في الكذب".
ولكن العفيف يرى أن أكبر إيجابيات الاتفاق الحالي تتمثل في أن (قحت) هي التي ستشكل مجلس الوزراء، وبإمكان المجلس إصلاح الخدمة المدنية والقضاء.
أما عضو وفد التفاوض من الحرية والتغيير عن تجمع القوى المدنية ميرفت حمد النيل، فتشدد على عوامل عدة في ظروف الاتفاق الحالي تشابه تلك التي أدت لإجهاض الاتفاقيات السابقة، مثل إصرار المجلس على فرض سيطرته على القوات المسلحة والنظامية، وضعف إرادة النظام في خلق تغيير حقيقي.
لكنها أكدت أن الاتفاق الحالي سيضع السلطة التنفيذية في يد الكفاءات الديمقراطية، وجاء في لحظة قوة شعبية يمكن أن تدفع بتنفيذه واستغلاله لتحقيق أغلب أهداف الثورة تمهيداً لإكمالها.
وترى أن أكبر مهددات للاتفاق، تتمثل في وجود ميليشيا غير مسيطر عليها من قبل الجيش ـ مشيرة إلى قوات الدعم السريع ـ وعدم إكمال عملية السلام، وجنوح بعض المكونات السياسية والعسكرية للمحاصصة وميول بعضها للحلول الوسطى.
كان السودان مسرحاً لاتفاقيات عدة خلال تاريخه الحديث، وخاضت الحكومات المتعاقبة (مدنية وعسكرية)، جولات مباحثات لا تحصى، تمخضت عن اتفاقيات مع فصيل معارض أو حركة مسلحة، حتى يمكن أن يطلق المراقب على السودان - بلا مبالغة - بلد (المعاهدات والاتفاقيات المهدرة).
وبعد نجاح ثورة ديسمبر، وإزالة نظام البشير - الحكم الأطول في عمر السودان، والذي كان له نصيب الأسد من تلك الاتفاقيات - خاضت قوى الحرية والتغيير (قحت)، جولات مفاوضات عدة مع المجلس العسكري الانتقالي، توجت يوم الأربعاء بتوقيع اتفاق سياسي يتيح إنشاء هياكل الحكم في الفترة الانتقالية.
نص الاتفاق على تشكيل مجلسين: مجلس السيادة ومجلس الوزراء. يتألف مجلس السيادة من 11 عضواً منهم خمسة عسكريين وخمسة مدنيين، والعضو الحادي عشر مدني يتوافق عليه الطرفان.
يستمر عمل المجلس أكثر قليلاً من ثلاث سنوات ويرأسه العسكريون 21 شهراً والمدنيون 18 شهراً.
أما مجلس الوزراء فتختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيسه. ويختار رئيس الوزراء 20 عضواً كحد أقصى لعضوية المجلس، ويحتفظ العسكريون باختيار وزيري الدفاع والداخلية.
وسيحدد الإعلان الدستوري المرتقب صلاحيات مجلسي السيادة والوزراء.
ويناقش مجلس السيادة تشكيل مجلس تشريعي خلال 90 يوماً. وستشكل لجنة تحقيق مستقلة في إحداث العنف بالبلاد خلال فترة الاحتجاجات منذ الإطاحة بالرئيس البشير في أبريل الماضي.
الإرادة السياسية
ولكن، السياسيون انقسموا ومعهم الشارع السوداني حول هذا الاتفاق المبدئي، وبرز العديد من المخاوف بين مكونات (قحت) نفسها.
أكثر من ذاك، خرج الحزب الشيوعي السوداني، وهو من فصائل (قحت)، ببيان يدين فيه الاتفاق، ويرى فيه تنازلاً عن مكتسبات الثورة.
وأكد المتحدث باسم تجمع المهنيين الدكتور أمجد فريد، وهو التجمع الذي قاد الاحتجاجات، أن وثيقة الإعلان الدستوري التي تأجل توقيعها تمثل معضلة مهمة في هذا الاتفاق.
ويرى فريد أن "هذا الاتفاق هو أمر واقع وتحفه كثير من المخاوف المشروعة"، مشيراً إلى عدة عوامل مشتركة مع الاتفاقات المهدرة في السابق، وشرعية المخاوف من أن ينتهي بالفشل.
وقال فريد إن المجلس العسكري يحتاج لإرادة سياسية تدعم استمرار الاتفاق، ويمكن امتحان تلك الإرادة عبر تعامله مع المحتجين ووقف الاشتباكات التي تفتعلها الجهات الأمنية مع المواطنين.
وحسب فريد، فإن المؤسسة العسكرية غير موثوق فيها، ولكن تركيبة (قحت) نفسها تجعلها في موضع نقد، معتبراً أنها تعبر عن الطبقة الوسطى، ولا تستصحب كل مشاكل الإنسان السوداني.
لكنه عاد فأكد أن هذا الاتفاق مدخل وبداية لتحقيق السلطة المدنية، وأن الاكتمال السليم له وتحقيقه سيتمان باستيعاب كل ملاحظات القوى الوطنية ودراستها.
خطر الإخوان
وحذر فريد من معوقات قد تعرقل تنفيذ الاتفاق مثل التدخلات الأجنبية، واصفاً الكثير منها بالسلبي، ونبه أيضاً لخطر تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي المتغلغل في مفاصل الحكم والدولة.
من جهتها، تعتقد الأمين العام للحزب الجمهوري أسماء محمود أن أحزاب (قحت) أتت للتفاوض دون تجربة أو تدريب، وكذلك تجمع المهنيين الذي عانى من حل نقاباته ومطاردة أعضائه إبان العهد البائد، مشيرة إلى أن هذا الإضعاف كان له أثر سلبي في التفاوض والوصول إلى اتفاق مرض للثوار.
أما المجلس العسكري، فترى أنه "امتداد لنظام الرئيس المخلوع"، مضيفة: "كلنا نعرف ما قامت به جبهة الإنقاذ من تمكين في الخدمة المدنية ناهيك عن القوات المسلحة".
وتؤكد أسماء، أن من أكبر إيجابيات الاتفاق الحالي كسر حلقة الجمود التي صاحبت الوضع السياسي، وتمهيد الطريق لبدء تأسيس الحكومة المدنية، مستدركة: "هذا على الرغم من أن الاتفاق لم يأت بما نحلم به من تغيير، ولم يرتفع لمستوى مطالب الثوار ولا هو بقدر التضحيات التي تمت لإحداث هذا التغيير".
وأضافت: "ولكن في الوضع الراهن وفي ظل مجلس عسكري اكتسب وضعية لحكومة قائمة ويتحرك على أساس هذا الفهم، وبالنظر للتعقيدات الكثيرة التي تحف بالوضع الهش في السودان، وتربص (الإسلامويين) وأعداء الثورة بها، فإنني اعتبر هذا الاتفاق إنجازاً يمكن أن تعدله الممارسة الديمقراطية".
فرص ومخاطر
ويقول الدكتور الباقر العفيف مختار، مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، والأمين العام للجان المقاومة السودانية، إن "المجلس العسكري لن يسمح بالدولة المدنية التي تريدها الجماهير الثائرة لذلك فأي اتفاق مهدد بعدم التنفيذ". وأضاف أن مصير الاتفاقات الحالية والمستقبلية مع المجلس "يمكن أن يكون الفشل، لأن المجلس العسكري هو الطفل الشرعي للإنقاذ .. وريثها وامتدادها في الكذب".
ولكن العفيف يرى أن أكبر إيجابيات الاتفاق الحالي تتمثل في أن (قحت) هي التي ستشكل مجلس الوزراء، وبإمكان المجلس إصلاح الخدمة المدنية والقضاء.
أما عضو وفد التفاوض من الحرية والتغيير عن تجمع القوى المدنية ميرفت حمد النيل، فتشدد على عوامل عدة في ظروف الاتفاق الحالي تشابه تلك التي أدت لإجهاض الاتفاقيات السابقة، مثل إصرار المجلس على فرض سيطرته على القوات المسلحة والنظامية، وضعف إرادة النظام في خلق تغيير حقيقي.
لكنها أكدت أن الاتفاق الحالي سيضع السلطة التنفيذية في يد الكفاءات الديمقراطية، وجاء في لحظة قوة شعبية يمكن أن تدفع بتنفيذه واستغلاله لتحقيق أغلب أهداف الثورة تمهيداً لإكمالها.
وترى أن أكبر مهددات للاتفاق، تتمثل في وجود ميليشيا غير مسيطر عليها من قبل الجيش ـ مشيرة إلى قوات الدعم السريع ـ وعدم إكمال عملية السلام، وجنوح بعض المكونات السياسية والعسكرية للمحاصصة وميول بعضها للحلول الوسطى.