الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لماذا أغلق كورونا العالم على عكس إنفلونزا الخنازير؟

بعد تفشي أزمة فيروس كورونا (كوفيد - 19) في العالم، وتصنيفه على أنه وباء من قبل منظمة الصحة العالمية، أغلقت دول العالم حدودها لمنع تفشي الفيروس، ليكون أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية في الحجر المنزلي، وهو الأمر الذي لم تشهده البشرية من قبل.

منذ بدء انتشاره حتى اللحظة، أصاب فيروس كورونا ما يقارب 650 ألف شخص حول العالم، بينما توفي بسببه أكثر من 30 ألف شخص، أغلبهم في القارة الأوروبية حسب الإحصاءات المتوفرة من قبل وكالات الأنباء.

واستذكر الناس هذه الأيام، جائحة فيروس إنفلونزا الخنازير التي انتشرت في أبريل عام 2009، التي شخصت أول إصابة به في في المكسيك أولاً، قبل أن تنتقل للعديد من الدول وانتهى في يونيو عام 2010، وبلغت إصابات الفيروس ما يقارب 1.4 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، وتوفي بسببه ما بين 151 ألف كأقل إحصائية متوفرة، و575 ألف حسب إحصاءات أخرى.



وبسبب أرقام إنفلونزا الخنازير الهائلة، والتي تتفوق حتى اللحظة على كوفيد -19، يتساءل كثيرون، لماذا أغلق كورونا العالم وفشلت إنفلونزا الخنازير بذلك؟

الجواب يعود إلى عدة اختلافات بين الحالتين، من وجهة نظر طبية، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

اختلافات خصائص الفيروس





- معدل وفيات الفيروس التاجي الجديد كوفيد -19، هي أعلى بكثير من فيروس إنفلونزا الخنازير الذي كان معدل وفياته حوالي 0,2% أما كوفيد -19، معدل الوفاة بلغ مابين 3% إلى 4%.

- حسب العميد المساعد لعلوم الصحة العالمية بجامعة كاليفورنيا، ستيفاني ستراثيدي، فإن مناعة القطيع التي اكتسبها العالم ضد الإنفلونزا الموسمية بسبب اللقاحات وتراكم خبرات نظامهم المناعي ضد أنواع مختلفة من الإنفلونزا، مكن البشرية من مواجهة إنفلونزا الخنازير.

- أعراض إنفلونزا الخنازير المماثلة لأعراض فيروس كورونا تظهر بين يوم وأربعة أيام كحد أقصى، الأمر الذي يساعد على حصر الإصابات قبل نقل العدوى بشكل كبير، وهذا الأمر عكس فيروس كورونا الذي تبقى أعراضه أسبوعين دون ظهور، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك وبعضها تكون الإصابة من دون ظهور أي أعراض، ما يؤدي إلى انتقال العدوى لعدد كبير جداً من الأشخاص قبل اكتشاف الحالة.

- فيروس إنفلونزا الخنازير هو الأقل عدوى بين الفيروسات التاجية الأخرى، فرقم التكاثر الأساسي الذي يطلق عليه R-naught وهو العدد المتوقع للأفراد الذين يمكنهم التقاط العدوى من شخص مصاب، كان متوسطة 1.46، بينما فيروس كورونا يبلغ متوسطة ما بين 2 و2.5 في الوقت الحالي.

- إنفلونزا الخنازير هي نوع من الإنفلونزا، كان بمقدور العلماء من اليوم الخامس تقريباً، اكتشافه وتكوين تصور عن انتشاره وطريقة التعامل معه، وفي اليوم السادس، بدأت أبحاث تطوير لقاح ضده، في حين استغرق كورونا أشهراً لبدء فهمه، وما زالت البشرية تتعلم مكافحة هذا الفيروس المستجد.

اختلاف الاستجابة





في 24 أبريل 2009، وتحديداً بعد 9 أيام فقط، من الكشف عن أول إصابة بإنفلونزا الخنازير، قامت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بتحميل التسلسل الجيني للفيروس إلى قاعدة البيانات العامة وسارعت لتطوير اللقاح.

لكن في حال كورونا استغرق البشر 5 أضعاف هذه المدة تقريباً، للوصول إلى أول تسلسل جيني لفيروس كوفيد-19، إذ إنه في 12 يناير قام العلماء الصينيون بنشر التسلسل الجيني للفيروس.

في غصون 4 أسابيع من اكتشاف إنفلونزا الخنازير في عام 2009 بدأ مركز السيطرة على الأمراض في إطلاق الإمدادات الصحية من مخزونها الذي ساعد في منع تفشي المرض وعلاجه.

لكن واجه الاختبار التشخيصي لفيروس كوفيد -19، العديد من الصعوبات الكبيرة، في 5 فبراير، بدأ مركز السيطرة على الأمراض بإرسال مواد فحص بفيروس كوفيد -19، إلى حوالي 100 مختبر للصحة العامة.

وعانت الإنسانية في مواجهة كورونا أيضاً، تأخيراً بتطوير آليات فحصه واكتشافه، فعديد الاختبارات أظهرت فشلاً بذلك، أو استغرقت وقتاً طويلاً لإظهار النتائج، في حين كان اكتشاف إنفلونزا الخنازير مخبرياً أسهل منذ الأيام الأولى.

وكان يجب أن تستمر هذ الاختبارات حصرياً في مقر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، حتى تتمكن الوكالة من تطوير وإرسال مجموعات بديلة، وهذا يعني أن فيروس كورونا استمر في الانتشار غير مكتشف لأسابيع.

عصر التكنولوجيا





فيروس كورونا أو كوفيد -19، هو الوباء الوحيد الذي انتشر في عصر سوشيل ميديا، ما ساعد على انتشار وابل من المعلومات الخاطئة حول المرض بشكل أسرع، كما أدى نشر المقاطع المرعبة للمرض لانتشار هلع عالمي بسببه.

يعتقد كثيرون أن الهلع الذي خلقته سوشيال ميديا، ضغط العديد من الدول لإغلاق حدودها، لأن كل القطاعات الحيوية داخل البلاد باتت مرتعدة، والخطأ الذي ارتكبته إيطاليا زاد من الخوف لدى الجميع بتحمل المسؤولية التاريخية أمام شعوبهم، فلجأ الجميع إلى استراتيجية احتواء الرعب مع ظهور أول حالة لديهم في البلاد.

فقدان السيطرة



فقدت العديد من الحكومات السيطرة على تفشي الفيروس، بسبب عدم وضوح الصورة لديها، وعدم المسارعة على اتخاذ الإجراءات، ومنها العديد من الدول الأوروبية كإسبانيا وإيطاليا، وفي آسيا برزت إيران كبؤرة خطيرة للمرض أيضاً، حيث انهار النظام الطبي والطاقة الاستيعابية للمصابين في مؤسسات الرعاية الصحية بهذه الدول.

احتياجات خاصة





تؤكد التقارير الطبية المختلفة إلى أن احتياجات المرضى المصابين بكورونا تختلف تماماً عن إنفلونزا الخنازير، إذ يحتاج المصاب إلى غرف العناية المركزة وجهاز تنفس في حال كانت إصابته متوسطة وما فوق، وهذا تطلب أعداد هائلة من هذه الغرف والأجهزة لا تتوفر في معظم دول العالم.

كما أن تعقيدات المعدات الوقائية التي يحتاجها الفريق الطبي لمواجهة المرض، هدد الأنظمة الطبية في العديد من الدول، لدرجة أن بعض الدول الكبرى، مثل بريطانيا اضطُرت للطلب من بعض المستشفيات بإعادة استخدام الكمامات بعد غسلها بمواد خاصة.

الطفرات الجينية وتاريخ مجهول



على عكس إنفلونزا الخنازير، الذي كان الأطباء يواجهون نوعاً محدداً من الفيروس، من حيث تركيبته الجينية في موجته الأولى، امتاز كورونا بازدياد طفراته، كلما انتشر بشكل أكبر، ما يزيد التغييرات العشوائية في التركيبة الوراثية لجينيوم الفيروس.

وقبل أيام، زعم علماء في أيسلندا أنهم وجدوا 40 طفرة في فيروس كورونا المستجد، في حين تمكن علماء أيسلنديون من تتبع فيروس كورونا، وتوصلوا إلى أن مصادره الأساسية في 3 دول أوروبية، هي النمسا وإيطاليا وإنجلترا.

وأكد أكثر من فريق صحي خارج الصين أنهم يواجهون حالتين من الفيروس، واحدة تبدو عادية قابلة للسيطرة دون علاج، وأخرى قوية للغاية، لا تشبه أي إنفلونزا يعرفها الناس، وأن هذا النوع هو الذي يثقل كاهل النظام الصحي.

ولا يزال العلماء يقومون بالعديد من الدراسات للتأكد من طفرات الفيروس التي أثارت مخاوفهم، وجعلت تاريخ الفيروس مجهول حتى اللحظة، فبعد الاعتقاد السائد أن الخفاش كان أساس الأزمة الإنسانية، فإن علماء صينيون يؤكدون إلى اليوم بأن آكل النمل هو الحيوان الأول الذي نقل الفيروس للإنسان، وعلى صعيد آخر، يؤكد أطباء إيطاليون أنهم شاهدوا نفس أعراض المرض في شمال إيطاليا قبل شهر ديسمبر 2019، ليوضحوا وجهة نظرهم باعتقادهم أن أول إصابة لم تكن في الصين، بل في إيطاليا لذلك ساءت فيها الأحوال كثيراً.