الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

بايدن وإيران.. رهانات الملالي الخاسرة تجاه الرئيس الأمريكي الجديد

إلى أين تمضي العلاقات الأمريكية الإيرانية في ظل الرئيس الجديد جوزيف بايدن، الديمقراطي الذي رفض فكرة إلغاء المعاهدة التي وقعتها بلاده وأطراف أخرى مع إيران عام 2015؟

الشاهد أن الإيرانيين قد فعلوا المستحيل من أجل ضمان فوز بايدن، وهزيمة ترامب، وبلغ الأمر حد الاختراقات السيبرانية والوقيعة بين الديمقراطيين والجمهوريين لتحقيق هذا الغرض، الأمر الذي جعل بايدن نفسه يتوعد كل من حاول التلاعب بالأمن القومي الأمريكي، بأن يدفع ثمناً باهظاً حين يصل إلى سدة الحكم.

ولعل السؤال المطروح على مائدة النقاش «هل ستكون ولاية بايدن صفاء زلالاً، سخاء رخاء على نظام الملالي، وسيسارع بايدن باستئناف ما قد انقطع بين طهران وواشنطن طوال سنوات ترامب الأربع، والتي عرفت بجانب إلغاء الاتفاقية، حملة من العقوبات لم تعرفها إيران في تاريخها المعاصر»؟

قبل الجواب المباشر ربما يتحتم علينا النظر إلى السياقات التي تجري فيها العلاقات الإيرانية الأمريكية في الوقت الراهن، ومن ثم التفكير فيما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع.

قبل بضعة أيام كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعلن عن استخدام طهران أجهزة طرد مركزية حديثة ضمن سياق برنامجها النووي، الأمر الذي ينافي ويجافي الاتفاق الذي تحاجج به لا سيما أمام الأوروبيين.

ولأن إيران تمارس التقية التقليدية في علاقاتها مع العالم كله، وتستغل هذا التفكير الملتوي للوصول إلى أهدافها، لذا فإنه لا يغيب عن أعين الكل أنها تناور وتداور من أجل الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل، وذلك عند نقطة زمنية بعينها، ومن أجل ذلك تعمل في الكثير من المرات في مواقع ومواضع نووية داخلية بعيداً عن أعين الجميع، ولهذا طالبتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمعلومات عن 3 مواقع تجري فيها التجارب من غير أن تضعها على برنامجها القابل للتفتيش، اثنان منهما قدمت طهران معلومات واهية عنهما، فيما الثالث ما يزال غامضاً بالكلية، ما أثار هواجس الوكالة والمراقبين الدوليين.

تهديد إيراني متواصل

حين يدلف الرئيس بايدن إلى داخل البيت الأبيض، سيكون المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب قد تجاوز 12 ضعفاً ما هو مسموح به في الاتفاقية سيئة الذكر، ما يعني أن نوايا إيران ماضية قدماً في الحصول على أكبر كمية من اليورانيوم المخصب، وبهدف واضح ومعلوم.

والشاهد أن الأمر لا يقتصر على هذا الإطار فحسب، فالأوضاع تغيرت والطباع تعدلت ولم يعد المشهد بين طهران وواشنطن كما كان أيام أوباما وروحاني، فقد وجد وقتها رئيس أمريكي له دالة قوية على جماعات الإسلام السياسي، وبقية التيارات الراديكالية التي خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ومن جانب آخر ادعى روحاني أنه يمثل صوت الاعتدال، وقيادة جماعة الحمائم، فيما الجميع يدرك أنه في إيران لا حمائم ولا صقور، بل الجميع أصوليون يرغبون في تصدير ثورتهم البائسة.

على أنه في مقدمة التغيرات المفصلية التي جرت بها المقادير بين البلدين، برنامج الصواريخ الإيرانية، وهذا بدوره بات حجر عثرة كؤود، وقد بلغ مرحلة من التقدم إن استطاعت إيران استخدام نوعية ما منه لإرسال قمر صناعي عسكري إلى الفضاء، وحيازتها صواريخ باليستية تصل دول أوروبا اليوم، وفي الغد قد تطول الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة من طهران.

أما التهديد اللوجيستي الأخطر، فنجده ضمن روايات تصدير إيران بعض تلك الصواريخ إلى عدد من دول أمريكا اللاتينية، ومحاولة تكرار أزمة صواريخ كوبا التي حاول السوفييت زرعها في كوبا أوائل ستينات القرن المنصرم، ما يهدد الولايات الأمريكية الجنوبية بصورة مباشرة.

هل سيكون الأمر يسيراً على بايدن في إحياء الاتفاقية النووية مرة جديدة مع الإيرانيين؟

مناورات كلامية

من اليسير للمرء في أزمنة الانتخابات ان يدلي بتصريحات متباينة ذات اليمين وذات اليسار، ومن عينة تلك التصريحات ما قاله بايدن إن «سياسة ترامب قد فشلت، وإن واشنطن ينبغي عليها البحث عن خيارات جديدة للعمل مع طهران».. لكن عن أي خيارات يتكلم بايدن؟

يذهب الرئيس الأمريكي المنتخب إلى أنه سيستخدم الاتفاق كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات مع إيران، وأن الولايات المتحدة ستعمل بعد ذلك مع الحلفاء لتمديد بنود الاتفاق النووي ومعالجة القضايا والمخاوف الأخرى.

وفي الوقت عينه تدرك دائرة المستشارين حول بايدن أن إيران على مرمى حجر من اختيار رئيس جديد، غالباً ما سيأتي من المتشددين من التيار الديني، أو من العسكريين، وفي الحالتين فان أي مساحة مرونة في الحديث مع الإيرانيين سوف تضيق، الأمر الذي دفع بايدن للتصريح لصحيفة «ذي تايم أوف إسرائيل» بأنه سيضطر إلى جلب شركاء دوليين وإقناع إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية».

الكلام يبدو أنه سهل ويسير، لكن الصعب إلى حد المستحيل أن تتغاضى واشنطن عن استراتيجياتها الكبرى للقرن الـ21، والتي بدأت عام 1997 بفكر «القرن الأمريكي»، للمحافظين الجدد، والتي تبلورت عام 2010 برؤية «الاستدارة نحو آسيا»، والسؤال هنا هل يمكن للأمريكيين، جمهوريين وديمقراطيين، أن يغضوا الطرف عن علاقات إيران المفسدة والمبطلة والعائق لهذه الاستراتيجية؟

باختصار غير مخل نقول إن إيران دخلت في شراكات تاريخية مع الصين لمدة 25 عاماً، ستعطي من خلالها للصينيين بعض الجزر في مياه الخليج العربي لعسكرتها تماماً، الأمر الذي يجعل الطريق الأمريكي إلى شرق آسيا مهدداً، وفي المقابل تتعهد إيران ببيع النفط للصين بأقل 30% من سعره العالمي، واتفاقيات عسكرية أخرى.

من ناحية أخرى دخلت طهران في اتفاق لمدة 10 سنوات جديدة مع روسيا الاتحادية لتحديث ترسانتها العسكرية.

عمن سيدافع بايدن؟

عن إيران نووية أم صاروخية، إيران الهاكرز وتهديد الأمن القومي الأمريكي، أم إيران المهددة لأقمار أمريكا الصناعية في الفضاء الخارجي؟

ينبغي التنبه لمناورات إيران الكلامية والفعلية هذه الأيام، ذلك أنها ستعمد إلى رفع سقف المفاوضات لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.

في كل الأحوال بايدن ليس طوق نجاة لإيران.