الاثنين - 14 أكتوبر 2024
الاثنين - 14 أكتوبر 2024

احتفالات الجزائر بالسنة الأمازيغية الجديدة في أجواء «الهدنة» مع منطقة القبائل

احتفالات الجزائر بالسنة الأمازيغية الجديدة في أجواء «الهدنة» مع منطقة القبائل

احتفالات بيناير بقرية تيزة بمنطقة القبائل (ولاية بومرداس)

احتفل الجزائريون الأحد برأس السنة الأمازيغية 2970، للمرة الثانية منذ ترسيم التاريخ في أبريل 2018 ولأول مرة بعد إسقاط حكم بوتفليقة الذي رسم التاريخ، في أجواء تتميز بين خطاب رسمي يدعو للهدنة، بعد أشهر من استهداف منطقة القبائل الأمازيغية بخطابات الكراهية من قبل وسائل الإعلام في إطار معركة السلطة مع الحراك الشعبي.

أقيمت في الجزائر على مستوى العديد من الولايات مظاهر الاحتفال بيناير تتمثل في معارض منتجات الحرف والصناعات التقليدية أشرفت عليها السلطات المحلية للولايات، في حين تحرص العائلات الجزائرية على تقديم الأطباق التقليدية المشهورة بها كل منطقة حسب عاداتها.

وكان يناير في السابق مجرد تقليد يحتفل به في الجزائر بشكل عام وفي الخفاء وفي جميع أنحاء شمال أفريقيا، غير أن تكريس يناير سنة 2018 عطلة وطنية، حسب ما قاله رئيس الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية، محمد جلاوي، في تصريحات صحافية بالمناسبة، سمح بظهور احتفال رسمي ووطني بعدما تم إخراجه للعيان وسمح باستعادة الأصول الحقيقية للشعب الجزائري رسمياً."


وتم ترسيم رأس السنة الأمازيغية 12 يناير في روزنامة الأعياد الوطنية الجزائرية في أبريل 2018 من قبل الرئيس السابق عبدالعزيز وأصبح عطلة مدفوعة الأجر.


وتم الاحتفال به لأول مرة رسمياً في يناير 2019 قبل أسابيع من الانفجار الذي شهدته البلاد في 22 فبراير.

حرص الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، سي الهاشمي عصاد أثناء إشرافه على الانطلاق الرسمي للاحتفالات بالسنة الأمازيغية بالجزائر، على اعتبار أن الاحتفال الشعبي بـ"يناير يعد الأسمنت المسلح للوحدة الوطنية".

وأنشئت المحافظة السامية للأمازيغية في 27 مايو 1995 في فترة حكم الرئيس الأسبق اليامين زروال، أسندت إليها مهمة ترقية وإدماج اللغة والثقافة الأمازيغية في النسيج التنموي والاجتماعي الجزائري.

وتم الاعتراف من السلطة التي كان يمثلها زروال بالأمازيغية كمكون من مكونات الهوية الجزائرية في تعديل الدستور الذي أقره في 1996 في ديباجته الذي حددها ”والمكوّنات الأساسية لهويتها وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية”، وجاء ذلك بعد الإضراب العام الذي شارك فيه تلاميذ المدارس وعرف بإضراب المحافظ في منطقة القبائل خلال السنة الدراسية 1994 -1995 والتي أسفرت عن إقرار تدريس اللغة الأمازيغية.

ويستند التقويم الأمازيغي في شمال أفريقيا ومنها الجزائر إلى رواية تاريخية تدعي أن الملك الأمازيغي شيشناق الذي يرجع نسبه إلى قبائل المشواش الليبية، قد هزم الفرعون المصري رمسيس الثاني سنة 952 قبل الميلاد.

يناير سياسياً حركة أمازيغ القبائل

يحتفل عموم الجزائريين بــ12 يناير منذ القدم كموروث ثقافي مرتبط بالموسم الفلاحي والتفاؤل بالسنة بعد انتهاء موسم الحرث والبذر.

وارتبط يناير سياسياً بالأمازيغية وبمنطقة القبائل خصوصاً، بسبب الصراع بين الناشطين السياسيين وبروز حركات ثقافية بربربية من منطقة القبائل افتكت اعتراف السلطة بالأمازيغية عبر مراحل، بفضل نضالها الذي احتدم منذ ما يعرف بالربيع الأمازيغي بعد قيام ثورة ثقافية انبثقت عن احتجاجات عارمة على إثر منع السلطات في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لمحاضرة حول الشعر الأمازيغي قديماً كان ينوي أن يلقيها بجامعة تيزي وزو الكاتب الأمازيغي مولود معمري، في العاشر من مارس 1980.

أشهر من استهداف منطقة القبائل

احتفالات هذه السنة تأتي بعد أشهر من استهداف منطقة القبائل من قبل وسائل الإعلام والوسائط الإلكترونية الموالية للنظام، بخطابات وصفها ناشطون آنذاك بــ"بروباغاندا مغرضة تستهدف تقسيم الشارع" منذ إعلان قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح منع رفع رايات غير الراية الوطنية في يونيو الماضي في المسيرات ابتداء من الأسبوع الثامن لانفجار الحراك الشعبي الذي أطاح بحكم عبدالعزيز بوتفليقة الذي دام 20 سنة.

ولم يشر آنذاك القايد صالح للراية الأمازيغية بالاسم، ولكن الإجراءات التي تبعتها بعد أن قال إنه أصدر أمراً صارماً لقوات الأمن بالتصدي لما وصفه باختراق المسيرات، أكدت أنه كان يقصدها، حيث تم منذ مسيرات الجمعة 21 يونيو مطاردة كل من يحمل الراية الأمازيغية وضبطه وتقديمه للعدالة ومصادرة الراية.

وتم ضبط 42 متظاهراً بالعاصمة منذ 21 يونيو تمت محاكمتهم في سبتمبر، حيث حكمت عليهم العدالة الجزائرية بــ12 سنة سجناً منها 6 أشهر نافذة، وهذا بالرغم من تأكيد محاميهم أثناء المرافعات على أنه "لا يوجد في القانون ما يمنع رفع الراية الأمازيغية، بل الدستور نص على أن الأمازيغية عنصر من عناصر الهوية الوطنية".

ويعترف الدستور الجزائري الذي عدله الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في 2016، بالأمازيغية كلغة وطنية، حيث تنص المادة الرابعة منه "تمازيغت هي كذلك لغة وطنيّة ورسميّة تعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكل تنوّعاتها اللّسانيّة المستعملة عبر التراب الوطني ."

وقد وصفت "الآلة الدعائية للنظام" سكان منطقة القبائل بــ"الزواف" وأبناء فرنسا، والزواف هو فيلق عسكري مشكل من السكان المحليين للجزائر اعتمدت عليه فرنسا منذ غزوها للجزائر في 1830 على احتلال باقي المناطق.

واشتدت الحرب الإعلامية على منطقة القبائل وسكانها مع انطلاق الحملة الانتخابية للرئاسيات، وقد توعد سكان منطقة القبائل بمقاطعة شاملة لها، وهو ما عرضهم لحملات قادتها القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة.

وكان رد الحراك الشعبي في الشارع بالهتاف بمنطقة القبائل خلال المسيرات التي تزامنت مع الحملة الانتخابية.

وشكلت انتخابات 12 ديسمبر منعرجاً حاسماً حمل العديد من التناقضات، وفي الوقت التي أسقطت منطقة القبائل بولاياتها الثلاث تيزي وزو وبجاية والبويرة العملية الانتخابية وتم إلغاء الاقتراع بها، حرص الرئيس تبون الذي أفرزته تلك الانتخابات رئيساً للبلاد على القول خلال أول خطاب له إنه يشتاق لمنطقة القبائل وإنه سيزورها في أقرب وقت.

وقد باشر الرئيس تبون إجراءات تهدئة، وأصبحت وسائل الإعلام منذ اعتلائه سدة الحكم تعدل من خطابها، وأعطت جل القنوات مساحة كبيرة من برامجها لتغطية النشاطات المتعلقة باحتفالات 12 يناير، كما تفادت إقامة بلاتوهات النقاشات التي دأبت فتحها كل سنة للنقاش في مواضيع الهوية التي كانت تحدث جدلاً بسبب ما يقوله المتداخلون.

ومن بين إجراءات المصالحة التي باشرها تبون مع منطقة القبائل تعيين فرحات آيت علي براهم وزيراً للصناعة والمناجم، ليس فقط لأنه منحدر من بلدية عين الحمام بتيزي وزو ولكنه كانت له علاقة مع رجل الأعمال يسعد ربراب المنحدر من المنطقة ذاتها، والذي خرج من السجن بعد أسبوعين من تولي تبون مهامه.

وفسرت وسائل إعلامية قول الرئيس تبون قبل ذلك إنه سيعتمد على رجال الأعمال الذين يضيفون قيمة للاقتصاد، رغبته في التعاطي مع رجل الأعمال ربراب، خاصة بعد تعيين صديقه وزيراً للصناعة.

في هذا الصدد علق الأستاذ بجامعة الجزائر والمحلل السياسية حسين دوحاجي "الأصل عند السلطة هو أن تتجه مباشرة إلى الجهة الضاغطة تفاوضها وتخطب ودها بتلبية رغباتها وتحقيق مطالبها الخفية قبل الظاهرة وتمنحها المزيد من الامتيازات وتشتري ذمم الكثير من رموزها".

وأوضح دوحاجي لــ"الرؤية" أن "السلطة تسارع في النهاية إلى كسب ود و ترضية التيار المزعج بالنسبة لها بمنحه الكثير من الامتيازات التي تسيل لعابه وتسكت صوته، أما التيار المساند و الداعم لها فهو في صفها ومعها ولا يحتاج إلى ترضية و كسب".

وأشار دوحاجي أن التيار الذي سماه ظرفياً "بالفرنكوبربريست" لوصف العلمانيين من الحركات السياسة الأمازيغية، يتقدم صفوف الحراك في العاصمة والعواصم في العالم في الوقت ذاته كان التيار الوطني يخون الحراك و يقول إنه انتهى وتم اختراقه.

وواصل دوحاجي مقارنته بالقول "في الوقت الذي وقف التيار ذاته ضد الانتخابات وقاطع مختلف مراحلها بل وحاربها بكل الوسائل في مناطق نفوذه وقد ظهر ذلك جلياً في النتيجة الصفرية لنسبة التصويت يوم الاقتراع في ولايات نفوذه الثلاث، كان التيار الوطني يدعو لدعم خطة السلطة ويسندها ويحشد لتأييد الانتخابات ويروج لها ويصفها بالحل والمخرج السحري من الأزمة و قد أثر في قطاع لا بأس به من الشعب كما ظهر في نتيجة التصويت".