الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

بركسيت.. كيف سينعكس القرار على العالم والعرب؟

مع دخول بريطانيا أسبوعها الأخير كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، تتجه أنظار العالم إلى المرحلة الجديدة من تاريخ علاقات المملكة المتحدة مع بقية الدول، حيث من المتوقع أن تطال تأثيرات دخول اتفاق «البركسيت» حيز التنفيذ، الجمعة المقبل، كافة جوانب المشهد السياسي العالمي.

وفيما سُلط الضوء كثيراً خلال السنوات الثلاث الماضية على التأثير المتوقع لـ «البركسيت» على دول الاتحاد الأوروبي ومستقبل التبادل التجاري والاتفاقيات والمعاهدات الأمنية والسياسية بين هذه الدول وبريطانيا بعد انفصال الأخيرة، ما تزال انعكاسات هذا الحدث على العديد من الدول خارج المنطقة الأوروبية، غير جلية تماماً، خصوصاً فيما يتعلق بالعالم العربي.

ويشير محللون وخبراء في الشأن الأوروبي والبريطاني إلى أن «البركسيت» سيغير خارطة شركاء المملكة المتحدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي بشكل كبير، حيث من شأن قرار الانفصال عن الكتلة الأوروبية أن يسمح للندن بالتحرر من الكثير من القوانين المقيدة لمجال تحركها في المشهد العالمي.


ويتوقع المحللون أن تأثير بركسيت على دول العالم لن يأتي بشكل متساوٍ، حيث ستشهد دول عدة انعكاسات إيجابية للحدث في علاقاتها مع المملكة المتحدة، ما يدفع لمزيد من تعزيز التعاون وتوسيع الشراكات بين الطرفين، فيما ستؤثر الخطوة ذاتها بشكل سلبي على دول أخرى عدة، خصوصاً داخل القارة الأوروبية.


المتضررون

وفي هذا الصدد يشير الإعلامي المغربي ـ الفرنسي المختص في الشؤون الأوروبية محمد واموسي إلى أن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستقود إلى حدوث خسائر واسعة في دول عدة وعلى مستوى قطاعات اقتصادية متنوعة.

ووحسب واموسي، فإن البيانات المتوافرة تشير إلى أن بلجيكا والدانمارك تعدان من البلدان الأكثر تضرراً من الخطوة البريطانية، حيث إن كل واحدة منهما ستفقد نحو 1% من إجمالي ناتجها المحلي بسبب تأثيرات محتملة ذات علاقة بـ «البركسيت» خلال السنوات المقبلة.

ويلفت واموسي كذلك إلى أن المعطيات الاقتصادية توضح أن «البركسيت» قد يكلف بلداً مثل أيرلندا خسائر بـ4% في الناتج المحلي في مدة لا تتجاوز 5 أعوام.

المستفيدون

على الرغم من ذلك، هناك عدة دول أوروبية تعد من ضمن قائمة المستفيدين من القرار، وعلى رأس هذه الدول تأتي ألمانيا، التي أنعش بركسيت قطاعها المصرفي مع انتقال آلاف الوظائف من بريطانيا إلى مدن ألمانية من أهمها فرانكفورت.

ويشير واموسي في هذا الإطار كذلك إلى أن هولندا تعد من ضمن الدول المستفيدة من هجرة الشركات العالمية من المملكة المتحدة مع تدفق عشرات الشركات القادمة من هناك على المدن الهولندية.

بدوره، يرى الصحافي الخبير في الشأن الأوروبي المقيم في لندن صالح حميد أن لائحة الدول المستفيدة من «البركسيت» خارج أوروبا، تشمل في المرتبة الأولى الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يتوسع التعاون الاقتصادي وتتعزز العلاقات السياسية بين لندن وواشنطن، خصوصاً في ظل التقارب بين حكومة رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون وإدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.

ويضيف حميد أنه من المرتقب أيضاً أن تتجه بريطانيا في المرحلة المقبلة كذلك إلى تقوية علاقاتها مع حلفاء جديد مثل الصين وروسيا ودول منطقة أوروبا الشرقية عموماً.

ماذا عن العالم العربي؟

وفي العالم العربي، يتوقع أن تنعكس مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي بشكل متفاوت على علاقاتها مع دول المنطقة، حيث ينتظر أن تحدث تأثيراً إيجابياً في بعض الجوانب، مع تركيز على القضايا ذات الأولوية بالنسبة لصناع القرار البريطاني.

وفي الإمارات، التي تعد من أكثر الدول أهمية في مسار العلاقات البريطانية ـ العربية، استبعد وزير الاقتصاد، المهندس سلطان المنصوري في تصريحات أمس الاثنين، حدوث تأثيرات اقتصادية سلبية إثر البركسيت، مشيراً إلى أن القرار قد يمثل محفزاً اقتصادياً مع وجود نظرة أكثر ثبوتاً في العلاقات التجارية.

وأيد واموسي هذا الطرح، مشيراً إلى أن الإمارات ستكون على رأس قائمة الدول العربية المستفيدة اقتصادياً من البركسيت، لأنها نجحت في تحصين اقتصادها مبكراً لمواجهة أي تداعيات لانفصال بريطاني عن الاتحاد الأوروبي باتفاق أو من دون اتفاق.

وأضاف أن سياسة الخارجية البريطانية كانت تميل إلى التمايز عن سياسات الاتحاد الأوروبي، وبالتحديد فيما يخص العالم العربي، لافتاً إلى مسارعة لندن مبكراً إلى إقامة شراكات ثنائية مع بلدان عربية كل على حدة.

احتواء الخطر الإيراني

بدوره، اعتبر صالح حميد أن دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام تعد من البلدان المستفيدة مستقبلاً من بركسيت، حيث يتوقع أن تفتح الخطوة الباب واسعاً أمام تعزيز التعاون بين هذه البلدان وبريطانيا، خصوصاً في مجال التعاون الأمني والسياسي، فضلاً عن التبادل التجاري.

وأشار في هذا الصدد إلى التقارب بين الحكومة البريطانية الحالية وإدارة الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بضرورة احتواء الخطر الإيراني وتهديدات طهران لأمن المنطقة والعالم، وهو التقارب الذي من شأنه أن يضمن في المستقبل لجم إيران وأذرعها في المنطقة، وهو ما يصب في تعزيز التعاون العربي ـ البريطاني في مرحلة ما بعد بركسيت.

من جانبه، توقع واموسي أن تظل السياسة البريطانية إزاء بقية بلدان العالم العربي ثابتة، خصوصاً في ملفات الدفاع، ومكافحة الإرهاب واللاجئين وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، مشيراً إلى سعي البريطانيين لتحسين وضعهم التفاوضي مع دول المنطقة لضمان التمكن من الحصول على معاملة تمييزية أفضل في شراكاتهم الثنائية.

تحركات دبلوماسية

يذكر أن بريطانيا كثّفت تحركاتها الدبلوماسية مؤخراً لتقوية حضورها السياسي والاقتصادي في العالم مع اقتراب موعد الـ31 من يناير الجاري المؤذن بالطلاق النهائي بين بروكسل ولندن، وفي هذا الإطار استقبل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نحو 53 زعيماً وقائداً أفريقياً في لندن يوم 20 الشهر الجاري حضروا فعاليات قمة الاستثمار "الأفريقية - البريطانية 2020»، التي تُعول لندن عليها لرفع مستوى التعاون بين المملكة المتحدة والقارة السمراء في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.