تعيش موريتانيا حالياً على وقع جدل سياسي واسع النطاق مع تشكيل البرلمان الخميس، لجنة للتحقيق في عدد من الصفقات والملفات الاقتصادية التي جرت خلال عهد الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز. وفيما طغت أخبار تشكيل اللجنة على واجهة المشهد السياسي، تفاوتت وجهات نظر المحللين حيالها، بين مشير إلى أن الأمر يتعلق بإمكانية «جرّ» أول رئيس موريتاني لقاعات المحاكم بتهم الفساد المالي، وآخر يرى أن القضية قد لا تتجاوز طور المناورة السياسية دون أن يعدو صداها مبنى البرلمان.
سياق خاص
ويأتي التوجه لهذا التحقيق في سياق موريتاني خاص، حيث يجد ولد عبدالعزيز، نفسه اليوم محاصراً بملفات فساد تشمل قطاعات اقتصادية عدة بعدما كان رفع شعار محاربة الفساد عند دخوله بوابة القصر الرئاسي في نواكشوط أغسطس 2008 بانقلاب عسكري.
وفي حديث مع «الرؤية»، قلّل رئيس لجنة التحقيق البرلمانية الوزير الأول الأسبق يحيى ولد أحمد الوقف من «الشحنة السياسية» للجنة متحدثاً عن «لجنة فنية تهدف للتحقيق في بعض ملفات العشرية المنصرمة، بعيداً عن السياسة، وذلك لتعزيز دور البرلمان في الرقابة على العمل الحكومي».
واختارت اللجنة التي جاءت بتوصية من 24 نائباً اغلبهم من المعارضة، 6 ملفات تشمل: تسيير صندوق العائدات النفطية، وملف عقارات الدولة التي تم بيعها خلال السنوات العشر الماضية، ونشاطات شركة الصيد الصينية «بولي هونغ دونغ»، إضافة إلى تسيير هيئة خيرية تابعة لشركة المناجم «سنيم»، وصفقات الإنارة العمومية بالطاقة الشمسية، وتشغيل رصيف الحاويات بميناء نواكشوط، وتصفية الشركة الوطنية للإيراد والتصدير.
فتح صندوق الشرور
ويأتي تشكيل اللجنة في أوج أزمة سياسية صامتة بين الرئيسين الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، ورفيقه السابق محمد ولد عبدالعزيز، حسمت لصالح الرئيس الغزواني بعد أن انحاز له الحزب الحاكم في البلاد.
وأكد ولد أحمد الوقف، الذي اعتقله ولد عبدالعزيز سابقاً بتهم فساد، أن اللجنة ستستعين في عملها بخبراء في مختلف المجالات المتعلقة بالتحقيق في الملفات المستهدفة، موضحاً أن «النواب وحدهم ليس بإمكانهم التحقيق في الملفات فنياً».
واستبق ولد عبدالعزيز تشكيل اللجنة بنبرة تهديد مبطنة يُفهم منها أن المضي في التوجه لمحاسبته يعد فتحاً لـ«صندوق الشرور»، مؤكداً أنه لا أحد سينجو من تداعيات التحقيق في الملفات المطروحة.
بدوره، قلل ولد أحمد الوقف من أهمية هذه التصريحات، مشيراً إلى أن اللجنة ستقوم بعملها ضمن أجل 6 أشهر الممنوح لها قانونياً، بعيداً عن استهداف أي شخص بذاته.
تضارب الآراء
واستبعد المحلل السياسي سيد المختار سيدي أن تصل الأمور إلى تقديم ولد عبدالعزيز للمحاكمة، نظراً لطبيعة تشكيلة اللجنة التي ليست مخولة بمحاكمة الرؤساء، إضافة إلى أن بعض الملفات المشمولة في التحقيق مرت صفقاتها عبر البرلمان وتمت تسويتها بقوانين صدرت عنه سابقاً، وتتعلق بعضها كذلك بأشخاص يشغلون حالياً مناصب تنفيذية.
وأشار إلى أن اللجنة عليها أن تقدم نتائج تحقيقاتها إلى البرلمان الذي سيسلم الملف بدوره إلى القضاء.
من جهته، يخالف الصحافي في جريدة السفير الموريتانية محمد صمب باي، هذا الرأي، مشيراً إلى أن الخناق بدأ يضيق فعلاً على الرئيس السابق، إذ إن تشكيل اللجنة يعد بداية مسار قانوني لتفعيل محكمة العدل السامية المخولة محاكمة الرئيس والوزراء على مسؤولياتهم خلال إدارتهم الشأن العام.
وأضاف أن تشكيلة اللجنة تضم خبراء ماليين واقتصاديين يُعرف بعضهم بمواقفه المتشددة تُجاه ولد عبدالعزيز ما يُبرر التوقعات بكونها «خطوة جدية في اتجاه محاسبة الرئيس السابق».
في الجانب الآخر، لا يستبعد محمد باي أن يُفجر ولد عبدالعزيز مفاجأة في الأيام المقبلة مع بدء عمل اللجنة، بتسريب ملفات يرى أنها قد تقلل من أهلية الممسكين بزمام التحقيق تنفيذاً لتهديداته السابقة.