الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

السودان وإسرائيل.. علاقات سرية قديمة أحدث حلقاتها لقاء "البرهان ـ نتنياهو"

في عام 2019، عرضت شبكة "نتفلكس" فيلماً روائياً بعنوان (رد سي دايفينغ ريسورت) أو منتجع البحر الأحمر، قيل إنه مبني على قصة حقيقية، يحكي تهريب اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى تل أبيب عبر السودان في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي.

تعرّض الفيلم لموجة نقد واسعة انصب أغلبها على وقائع تاريخية مغلوطة وردت فيه، حيث يروي قصة وصول عملاء لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) إلى الخرطوم، لإنشاء منتجع سياحي على سواحل البحر الأحمر شرق البلاد، للتغطية على عملهم.

ويضع الفيلم المشاهد في قلب أحداث مأساوية يتعرض لها أبطاله من عملاء ويهود على يد عناصر الأمن والجيش السوداني. ولكن الحقيقة التاريخية الأكيدة هي أن عملية نقل يهود الفلاشا تمت بتنسيق بين الحكومتين السودانية والإسرائيلية بعد لقاء في كينيا جمع الرئيس الأسبق جعفر نميري برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، الذي كان يحمل وقتها حقيبة الدفاع.


قضية الفلاشا لم تتضح معالمها بالنسبة للسودانيين ـ كشأن العديد من أوجه العلاقات مع إسرائيل التي تتسم بالغموض والسرية ـ إلا بعد نهاية نظام نميري بعد ثورة شعبية أطاحت به في أبريل 1985، وكانت فصولها مفاجأة للمجتمع كله.


وحمل يوم أمس مفاجأة جديدة بالنسبة للبعض، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مقابلته رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان بمدينة عنتيبي الأوغندية.

"زيارة البرهان تمت دون تخطيط مسبق أو إخطار للحكومة"، وفقاً للناطق الرسمي للحكومة وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح. كما قالت أيضاً وزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبدالله، إنها لم تعلم بالزيارة.

ورغم ذلك، ذكر الكاتب السوداني عثمان فضل الله على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، نقلاً عن مصدر وصفه بالرفيع، أن "اللقاء كان يفترض أن يكون سرياً وأن البرهان اصطحب معه عضواً في المجلس السيادي وأن المكون المدني ممثلاً في رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ووزارة الخارجية وبعض النافذين من المدنيين كانوا على علم كامل باللقاء منذ الخطوات الأولى لترتيباته، بل إن رئيس الوزراء شارك في اجتماع مطول تم مساء الأحد، ووضع اللمسات الأخيرة وقيّم الخطوة من جميع أوجهها".

وبالتزامن مع هذه الترتيبات، وقبل لقاء البرهان ونتنياهو بيوم، أعلن مجلس السيادة السوداني الأحد أيضاً تلقي البرهان دعوة من وزيرة الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عبر محادثة هاتفية لزيارة واشنطن، وهو ما يشير إلى أن اللقاء لم يكن مصادفة.

على الجانب الإسرائيلي أعلنت تل أبيب في بيان أن اللقاء تم بدعوة من الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، كما أوضح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن اللقاء جاء لتوطيد التعاون وفتح العلاقات بين البلدين.

وبحسب أستاذ تاريخ الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي في أكاديمية الولايات المتحدة للقوات الجوية في كولورادو جاكوب عبادي تتسم العلاقات الإسرائيلية ـ السودانية، بالسرية والتضارب والتقلبات، لكنها قديمة وتعود إلى فترات مبكرة من بعد قيام دولة إسرائيل بسنوات.

ويوضح عبادي في مقالة له بعنوان (إسرائيل والسودان: ملحمة ذات علاقة غامضة)، أن التبادل التجاري بين البلدين بدأ قبل استقلال السودان في 1956.

ويذكر عبادي بالأرقام حجم التبادل التجاري بين الدولتين، حيث صدر السودان ماشية وقطناً وأعلافاً بين 1949 و1952 بقيمة راوحت بين 300 و700 ألف جنيه إسترليني، ولكنه يؤكد أيضاً أن هذا التبادل التجاري توقف بعد عام 1953 دون أن يذكر أسباباً للتوقف. كما يذكر عبادي مقابلة قيادات حزب الأمة (أحد أكبر الأحزاب في السودان) لمسؤولين إسرائيليين في لندن قبل استقلال السودان، حيث بحث الجانبان دعم إسرائيل للحزب الذي كان يدعو لاستقلال السودان عن بريطانيا، مقابل الاعتراف بالدولة العبرية.

ويزعم عبادي أن التعاون بين الحزب والدولة العبرية استمر حتى بعد الاستقلال ووصول الحزب للسلطة بعد تولي عبدالله خليل منصب رئيس الوزراء، إلا أن العلاقات بدأت في التدهور، لكنها لم تنقطع بعد الانقلاب العسكري الأول 1958، والثاني بقيادة جعفر النميري عام 1969، والانقلاب الأخير بقيادة المعزول عمر البشير 1989.

وأورد عبادي كواليس لقاء النميري مع شارون في مايو 1982 بمنتجع "مونت كينيا"، حيث اتفق الجانبان على التعاون في نقل يهود الفلاشا. كما "وافق النميري على خطة شارون لتحويل السودان لترسانة ضخمة من الأسلحة والذخائر من كل صنف لتستخدمها إسرائيل ـ عند الحاجة ـ في عملياتها الخاصة"، كما تم الاتفاق في ذلك الاجتماع على "تعويض النميري بدفع مبالغ مالية للسودان، وله في حسابه الشخصي"، على حد قول الكاتب.

أما بالنسبة لحكومة البشير، فإن السياسي وعضو الكنيست السابق ووزير التعاون الإقليمي السابق أيوب أقرا، صرح لقناة "نيوز24" الإنجليزية عام 2016 بأن إسرائيل تحتفظ بعلاقات جيدة ـ ولكنها خفية ـ مع النظام السوداني. كما كشف أقرا في عام 2017، عن زيارة مسؤول سوداني لإسرائيل سراً.

رغم أن العلاقات بين البلدين قديمة إلا ردود أفعال السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي تراوحت بين الدهشة والترحيب والرفض، ولكن أغلبها غلفته السخرية.

وقال الناشط الرضي عبدالله إن الموقف من إسرائيل ليس عروبياً أو إسلامياً، بل حقوقياً يشابه المواقف التي طالبنا العالم باتخاذها من حكم الكيزان (يعني الإخوان المسلمين).

وأضاف أن إسرائيل دولة احتلال عنصرية وهي مثلها مثل دولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً.

الفنان التشكيلي تبارك شيخ الدين كتب على تويتر: لولا أن إسرائيل دولة فصل عنصري لما صادقنا غير اليهود، مضيفاً في تدوينة أخرى أن الاستقطاب الحاد جعلنا نرحب بالتطبيع مكايدة في الكيزان.

الكاتب والمسرحي عثمان تراث قال في تدوينة إن لقاء حمدوك برموز الكيزان الأسبوع الماضي أسوأ من لقاء برهان لنتنياهو. الناشطة تيسير عووضة جزمت بأن هذا العمل "بعلم وقبول بل وبتنسيق من حمدوك ذاته".