الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

بالقوة الناعمة: إيران تغسل الأدمغة وتغيّر الهوية في سوريا

بالقوة الناعمة: إيران تغسل الأدمغة وتغيّر الهوية في سوريا

إيران تعمل على نشر أفكارها ومذهبها من خلال الأطفال. (صورة من صفحة كشافة المهدي بدير الزور)

بحلول نهاية شهر يناير الماضي، وقعت وزارة التعليم في سوريا ووزارة التعليم الإيرانية مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والأكاديمية والتعليمية، ما يكشف عن محاولات طهران الناعمة للتغلغل في سوريا خلال الأعوام الماضية مستغلة حالة الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية التي اندلعت في 2011.



ووفقاً للاتفاقية، ستوفر إيران تقديم خدمات فنية وتعليمية وتجديد مدارس في المناطق «المحررة من الإرهاب»، بالإضافة إلى جهود تطوير التعليم في كلا البلدين، كما تشمل الاتفاقية تطوير نظام البحث العلمي، وتوفير متطلبات التعليم المهني المختلفة. وكانت الحكومتان قد توصلتا في الآونة الأخيرة إلى 11 اتفاقية في المجالات التعليمية والثقافية والخدمية والاقتصادية وغيرها، بما في ذلك مشاريع تعليمية تحت عنوان «التعليم قبل الجامعي»، ومشاريع سينمائية.



محاولات قديمة

ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن المحاولات الإيرانية لتوسيع وتطوير المراكز والمدارس الشيعية عن طريق سفاراتها مستمرة في سوريا منذ الثمانينات إلا أنها تسارعت في الأعوام الأخيرة بوتيرة كبيرة، وكانت العلاقة المميزة بين الحكومة السورية وإيران سبباً في أن تصبح سوريا أبرز مركز للنشاط الإيراني في الأعوام الأخيرة.



هذه الاتفاقية وغيرها من مظاهر التواجد الإيراني في سوريا لها أهداف بعيدة تعتزم من خلالها طهران التغلغل في الدولة السورية مستغلة الأوضاع الصعبة في الدولة التي مزقتها الحرب، بحسب مركز الروابط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، ومقره عمان، والذي أشار إلى أن النظام الإيراني يقوم بإنشاء الحسينيات الشيعية وينشر اللغة الفارسية في سوريا وخاصة في الأماكن التي كانت تسيطر عليها الجماعات المسلحة.



وتعمل إيران على توظيف العناصر الطائفية والاقتصادية لدعم هذا الجهد منذ يومها الأول في سوريا، مستفيدة من الوضع الصعب في البلاد، بحسب مركز الروابط.

شبكة هشة



الدكتور محمد عبدالمجيد، الباحث في مركز «إيرام» للدراسات الإيرانية، أكد أن أي تغيير كبير في هيكل الحكم في سوريا قد يؤدي إلى إسقاط الشبكة الإيرانية هناك لأنها شبكة قائمة على المصالح والمنافع، وليس الأيديولوجية كما يُعتقد، بحسب ما نقل عنه موقع «إيران واير». وأضاف عبدالمجيد أن الانتفاضة في العراق ولبنان أثبتت أن إيران ليس لها قاعدة شعبية في المنطقة، حتى بين الشيعة العرب أنفسهم.

مدارس شيعية



قبل اندلاع الحرب السورية، كان هناك أكثر من 40 مدرسة شيعية خاصة في دمشق وحدها، منتشرة في مناطق التجمعات الشيعية، وفقاً لمركز «حارمون» للدراسات المعاصرة، ومقره أنقرة. ومن بينها نحو 10 مدارس ثانوية تابعة لوزارة الأوقاف الدينية ومعترف بها من قبل وزارة التربية والتعليم، وأشهرها مدرسة المحسينية وتقوم المدرسة بوعظ الطلاب السُّنة وتوفير التسهيلات المالية لأولئك الذين يتحولون إلى المذهب الشيعي.





في عام 2014، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً لتدريس المذهب الشيعي في المدارس السورية إلى جانب المذهب السُّني، بالإضافة إلى افتتاح أول مدرسة شيعية في البلاد تحت اسم «الرسول الأعظم» على أطراف مدينة جبلة، وذلك بعد سنوات من المحاولات الإيرانية التي قوبلت بالرفض من جانب الرئيس الأسد الأب.

اللغة الفارسية



ويوضح عبدالمجيد أنه في عام 2005 نجحت إيران عن طريق مكتبها الاستشاري الثقافي في افتتاح أول قسم للغة الفارسية في جامعة دمشق تليها جامعتا حمص وحلب، كما بدأ تدريس اللغة الفارسية في جامعة تشرين وفرعها في طرطوس وجامعة الفرات في دير الزور .



في عام 2007، وافقت وزارة التعليم العالي في سوريا ووزارة العلوم والتكنولوجيا والبحوث في إيران على إنشاء جامعة الفارابي. وبعد ذلك بعامين، ناقش وزير التعليم العالي في سوريا غيث بركات ورئيس جامعة المصطفى الإيراني، علي رضا الأرافي، التعاون الأكاديمي في التعليم العالي والبحث العلمي.



ويقول مركز «حارمون» في دراسة بعنوان «مؤسسات النفوذ الإيراني في سوريا والأساليب المتبعة في التشييع» إن بعض المراكز التعليمية والدينية الإيرانية حاولت العمل بشكل رسمي لعشرات السنين في سوريا ولكنها لم تستطع، وفي عهد بشار الأسد الابن حصل بعض هذه المراكز على تراخيص.

اعتراف رسمي

في عام 2011، بعد مرسوم صادر عن الأسد، اعترفت وزارة التعليم العالي بكلية السيدة رقية لتدريس علوم الشريعة الشيعية العاملة تحت اسم معهد الشرق، وكلية الفتح التي حاول مؤسسها الحصول على تراخيص لعشرات السنوات ولم ينجح، وكلية أحمد كفتارو التي تدرس علوم الشريعة السنية، وجميعهم مرتبطون بوزارة الأوقاف السورية، وتم ضمهم جميعاً إلى ما عرف بعد ذلك باسم جامعة المشرق للعلوم الشرعية بعد مرسوم رئاسي.



في الأعوام الأخيرة، وقعت جامعة دمشق مذكرة تفاهم مع جامعة آزاد الإيرانية، بالإضافة إلى إنشاء كلية الفكر الإسلامي في العاصمة دمشق، من خلال التعاون بين الأكاديمية الدولية للتقارب بين الطوائف الإيرانية ووزارة الأوقاف السورية.



لم تكتف إيران بالمدارس والجامعات، لكنها أيضاً حاولت التغلغل عبر الأنشطة الرياضية والكشافة والفعاليات الثقافية في سوريا في محاولة للسيطرة على الأطفال منذ سنواتهم المبكرة.

في عام 2014 تم إنشاء كشافة المهدي التابعة لجمعية الإمام المهدي في مدينة السيدة زينب قرب دمشق، وتتركز أغلب أنشطتها ومبادئها على غرس المفاهيم الثقافية والدينية وعبارات الثورة الإيرانية في أذهان الأطفال.



غسل أدمغة

وشملت أنشطة كشافة المهدي المعلنة رحلات ترفيهية وأنشطة رياضية واجتماعية، لكن في الواقع كانت تقوم بعمليات غسل منظم ومدروس لأدمغة الأطفال عبر دروس لتعزيز أهمية الانتقام للإمام الحسين، وارتداء الملابس العسكرية، وممارسة الرياضة التي تشبه التدريبات العسكرية.





الحسينيات

كما توسعت طهران في نشر المذهب الشيعي عبر إنشاء الحسينيات التي بلغ عددها حتى منتصف 2019 نحو 500 حسينية ونحو 69 حوزة شيعية، وتقوم هذه المراكز بتعليم أصول الفقه الشيعي، وفقاً للمرصد السوري.



ونتيجة لهذه الأنشطة التي تقوم بها هذه المراكز، مع الدعم المالي، تحوّل نحو 7500 شخص من جنوب وشرق سوريا إلى المذهب الشيعي بنهاية عام 2019، وفقاً للمرصد السوري. ويتلقى جميع الذين نقلوا مذهبهم رواتب شهرية تختلف من منطقة إلى أخرى، بالإضافة إلى الغذاء والمعيشة واللوازم التعليمية.