الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

السودان ورفع العقوبات.. الفاتورة تغطي 4 قارات

بدأت الحكومة السودانية تحركات واسعة في الأسابيع الماضية على الساحة الدولية في محاولة لكسر العزلة المضروبة على الخرطوم منذ عام 1989، عقب انقلاب الجبهة الإسلامية القومية على السلطة بقيادة الرئيس المعزول في أبريل 2019 عمر البشير، ورغم حماس السودانيين لرفع العقوبات إلا أن بعضهم يخشى من فاتورة لا نهاية لها.

وتمكنت الخرطوم من تحقيق اختراقات كبيرة على الصعيد الدولي أدت إلى كسر الجليد مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية. لكن بعض تحركات الحكومة أثارت حالة من الانقسام في الشارع السوداني ووسط المحللين السياسيين، بين مؤيد ورافض، مثل اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

كما كشفت الحكومة السودانية عن موافقتها على مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير، على خلفية جرائم ارتكبت في منطقة دارفور. وأعلنت الحكومة أيضاً عن توصلها لاتفاق يقضي بدفع تعويضات 30 مليون دولار، لعائلات 17 بحاراً أمريكياً قتلوا في تفجير المدمرة "يو أس أس كول"، بميناء يمني عام 2000، في هجمات للقاعدة تتهم الإدارة الأمريكية السودان بالوقوف خلفها.

صدى الشارع

الحيرة كانت السمة الظاهرة على وجوه سودانيين استطلعت (الرؤية) آراءهم حول الثمن الذي يجب أن يدفعه السودان ليرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب وكذا رفع العقوبات الدولية المفروضة عليه.

بعضهم رأى أنه يجب دفع أي ثمن حتى يستعيد السودان موقعه في الخارطة الدولية ويتجاوز أزمته الاقتصادية والسياسية. ولكن البعض الآخر تخوف من أن يكون الثمن أغلى من أن يتحمله السودان، وشعبه لتسوية حسابات ترتبط بعلاقات مع كوريا الشمالية في قارة آسيا وتفجيرات في أفريقيا ودعم أوروبا لتسليم مطلوبين سودانيين للمحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن قضايا تتعلق بالولايات المتحدة مباشرة.

الطالبة ريان بدرالدين (22) عاماً قالت لـ(الرؤية) إن العقوبات الدولية والأمريكية على السودان، تمسها شخصياً كمواطنة، حيث إن السودان بلد متدني الإنتاج ويضطر لاستيراد كل سلعة من الخارج، ولكن معظم الدول المنتجة لا تصدر منتجاتها للسودان خاصة فيما يتعلق بالمنتجات والمعدات الطبية والإلكترونية، وأشارت إلى أن هناك منصات تعليمية لا تستطيع الدخول إليها بسبب الحظر. وقالت إنها تفضل تسليم الرئيس المعزول للجنائية الدولية إن كان التسليم سيؤدي لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. لكنها أشارت إلى أنها كانت تود محاكمته في السودان لأن البشير يعتبر "الصندوق الأسود" للإخوان المسلمين ويمتلك تفاصيل عن كل المشاركين معه في جرائمه ضد الشعب السوداني.

من جانبها، قالت ربة المنزل هند الزين (55 عاماً) إن أمريكا إذا اشترطت تسليم البشير لرفع الحظر فهذا أمر ممكن، ولكن التطبيع مع إسرائيل إذا أصبح شرطاً فهذا يعني فشل الحكومة في الحصول على قرار أمريكي برفع الحظر لأن الحكومة السودانية لن تستطيع التطبيع رغم أنف الشعب الذي يرفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني.

ومن جانبه، قال الموظف هشام الجبلابي (41 عاماً) إنه يؤيد تسليم البشير للجنائية من أجل الانفتاح على العالم ورفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب، كما يؤيد كذلك التطبيع مع إسرائيل، مشيراً إلى أن في الأمرين فائدة للسودان لينفتح على المنظومة الدولية.

وأضاف لـ «الرؤية» أن تسليم المتهمين للجنائية الدولية أمر إيجابي، لأنه وبالرغم من بدء القضاء السوداني في التعافي إلا أن آلياته في تحقيق العدالة ما زالت تحتاج إلى عمل كبير، لذا فمن الأفضل إجراء المحاكمة في لاهاي. وتقول داليا حسن (30 عاماً)، وهي موظفة في شركة خاصة، إنها ضد مثول مرتكبي جرائم دارفور أمام المحكمة الجنائية وترى أن العدالة تقتضي محاكمتهم داخلياً في مكان ارتكاب الجرائم. وأضافت أن التعقيدات تصاحب حياة السودانيين في الداخل والخارج بسبب العقوبات الدولية، موضحة أن هناك مواطنين سودانيين يقيمون في دول أوروبية لا يستطيعون مساعدة ذويهم بسبب صعوبة التحويلات البنكية.

كوريا وتفجير السفارتين

من جهته، قال وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية فيصل محمد صالح لـ«الرؤية» إن الإدارة الأمريكية وضعت التسوية في قضية المدمرة كول وتفجيرات السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا، شرطاً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مشيراً إلى أن الحكومة قطعت شوطاً كبير لتنفيذ ذلك، فضلاً عن قطع العلاقات مع كوريا الشمالية لأنه اتضح أن حكومة الإخوان كانت تتعامل معها عسكرياً. وأضاف أن أمريكا أشارت إلى ضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية وترى أنها الجهة التي تتعامل مع المنظمات الإرهابية، وبدأت الحكومة بالفعل في إعادة هيكلة تلك الأجهزة.

وأشار صالح إلى أن أجندة الحكومة الداخلية تركز على الوصول إلى السلام وأن حركات دارفور وضعت تسليم مرتكبي جرائم دارفور للجنائية ضمن شروط السلام، موضحاً أن الحكومة بدأت في الحوار مع المحكمة الجنائية منذ فترة، وقال إن الأمر سيعطي إشارة إيجابية للإدارة الأمريكية بأن الحكومة الانتقالية تعمل على تحقيق العدالة والسلام.

من جانبه، قال القانوني كمال الجزولي لـ«الرؤية» إن الإدارة الأمريكية تتذرع بكثير من الحجج وكأنها تريد معاقبة السودان الحالي بأفعال الحكومة السابقة، مشيراً إلى أن ما قدمته الحكومة الانتقالية من حجج وأسانيد كافية لرفع اسم السودان من القائمة، لكن أمريكا لديها أجندة خفية تخرجها تباعاً كلما استجابت الحكومة لبعضها. وأكد الجزولي أن استجابة الحكومة لقرار المحكمة الجنائية واجب من باب التعاون الدولي لأنها مرتبطة بالمنظمة الدولية.

أولويات الحكومة

وأوضح القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم في السودان بابكر فيصل لـ«الرؤية» أن حياة السودانيين تتأثر كثيراً بالعقوبات، ورغم أن الإدارة الأمريكية رفعت العقوبات الاقتصادية، لكن المعاملات البنكية متعثرة، لأن البنوك الخارجية لا تتعامل مع أي دولة في القائمة الأمريكية، فضلاً عن التأثير على الاستثمار الخارجي المباشر، والقروض والمنح الدولية. وأشار إلى أن الديون الخارجية 53 مليار دولار، وأكثر من 40% منها في نادي باريس وبعدم تصويت المندوب الأمريكي لصالح السودان فلن تعفى.

ونوه بابكر بأن أولويات الحكومة الانتقالية تشمل تحقيق السلام داخلياً ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وكليهما بالأهمية ذاتها ولا يمكن فصلهما.

وكانت الإدارة الأمريكية رفعت اسم السودان من اللائحة السوداء حول الحريات الدينية في ديسمبر الماضي. وتوقع بابكر أن يسهم لقاء البرهان / نتنياهو، في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، مضيفاً أن تسليم البشير إلى الجنائية لم يكن من ضمن الشروط ولكنه سيعطي انطباعاً إيجابياً بالانفتاح والتعاون من أجل السلام والعدالة.

ويذهب المحلل السياسي محمد عبدالقيوم في حديثه لـ«الرؤية» إلى أن الاتحاد الأوروبي هو الداعم الأكبر لمطلب مثول مرتكبي جرائم دارفور أمام الجنائية. وأضاف أن السودان يسعى إلى تحسين العلاقات مع المجتمع الدولي قاطبة والحصول على دعم دولي لإنقاذ اقتصاده المتهالك. وأشار إلى أن الأهم الحصول على دعم سياسي للحكومة المدنية ليحميها من أي انقلاب محتمل.

نقطة الاتفاق بين السودانيين هي دعم جهود رفع العقوبات رغم التوجس من إمكانية التسوية النهائية لفاتورة قضايا تبدأ من كوريا الشمالية وتمر باليمن وتنزانيا وكينيا وأوروبا للوصول إلى واشنطن ونيويورك مقر الأمم المتحدة.