الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

"حراس الثورة" في السودان.. المهمة لم تكتمل بعد

وسط عمال المخابز المنهمكين في تلبية حاجة المواطنين المصطفين في طوابير، يتواجد شباب متطوعون يراقبون حصة الدقيق المدعوم التي توزع على المخابز لمنع تهريبها، وتقف مجموعة أخرى تراقب محطات الوقود، بينما يعمل آخرون على مراقبة حافلات النقل لرصد أي تهرب من حمل الركاب.

مشاهد تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي في السودان لتسلط الضوء على مهام يقوم بها حاليا أعضاء "لجان المقاومة" الشعبية بعدما لعبوا دورا بارزا في الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس عمر البشير في أبريل 2019.

ورثت هذه اللجان الدور الذي كانت تقوم به "اللجان الشعبية" التي كانت عيوناً أمنية يتجسس عبرها نظام البشير على الأحياء بعد أن أوكل لها مهام إدارية وخدمية لكنها واجهت رفضاً شعبياً في أواخر حكمه بسبب استغلالها للسلطات الممنوحة لها.


لعبت "لجان المقاومة" دوراً كبيراً خلال الثورة السودانية وكانت بمثابة الوقود الذي ساهم في استمراريتها عبر العمل المشترك، وتنظيم المواكب، وتوزيع اللافتات التي تحمل شعارات الثورة، والكتابة على الجدران، وغيرها من وسائل المقاومة السلمية. وكان هذا الدور سبباً في أن أصبح أفرادها هدفاً لقناصة البشير في مشاهد وثقتها كاميرات النشطاء خلال الثورة.


ووفق مراقبين، لم تكن الثورة السودانية لتحقق أي انتصار لولا وجود "لجان المقاومة" الشعبية بطابعها اللامركزي، حيث لعب أفرادها دوراً بارزاً في تشتيت القوات الأمنية، والتشبيك بين الثوار، وكان استقلال اللجان كلمة السر في فاعليتها وتأثيرها. ومع تطور مراحل الثورة بدأت هياكل اللجان تتحدد مركزياً بشكل أكبر. وأصبحت تواجه تحدي تحديد خطها المستقبلي في السودان الجديد.

تشكلت "لجان المقاومة" في الأحياء الشعبية بالعاصمة الخرطوم وانتقلت إلى مدن وولايات السودان المختلفة، وهي أقوى ما تكون في العاصمة ومدينة عطبرة شمال السودان، ومدينة ودمدني (186 كيلومتراً جنوب الخرطوم). وساعدت طبيعة هذه الأحياء، ونمط حياة سكانها الذين يعرفون بعضهم البعض الأرضية الخصبة لعمل هذه اللجان.

الهيكل التنظيمي

عضو الأمانة السياسية والمكتب الميداني في "لجان المقاومة" في مدينة ودمدني، صهيب خالد، قال لـ"الرؤية" إن اللجان في مدينته لديها 5 مكاتب، وهي المكتب السياسي والتنظيمي والإعلامي والخدمي والمالي، إضافة للجنة ميدانية. ولكل مكتب 6 ممثلين حسب تقسيم قطاعات مدينة ودمدني، إضافة لممثلين من اللجنة الميدانية.

وأشار خالد إلى أن التقسيم التنظيمي والهيكلي أمر جديد اقتضته ظروف ما بعد الثورة، لأن العمل قبل الثورة كان يعتمد على اللامركزية.

وقال إن تنسيقية "قوى الحرية والتغيير" لعبت دوراً مهماً في تطوير عمل اللجان وهيكلتها بعد الثورة، دون المساس باستقلاليتها عن الأحزاب المنضوية داخل قوى الحرية والتغيير.

ويضم تجمع "قوى الحرية والتغيير" الأحزاب والحركات السياسية السودانية وتأسّس في يناير 2019 خلال الاحتجاجات على حكم البشير، وقام بصياغة «إعلان الحرية والتغيير» و«ميثاق الحرية والتغيير» الذي دعا إلى إقالة الرئيس السابق، وهو ما حدث بعد عدة أشهر من الاحتجاج.

وأوضح خالد أن "لجان المقاومة لديها تمثيل في قوى الحرية عبر ممثلين منتخبين من كل ولاية، ومندوبي الولايات يتم اختيارهم من تنسيقيات مركزية من المدن التي تتكون بدورها من تنسيقيات لقطاعات يضم كل قطاع منها مجموعة من الأحياء.

ويتم التواصل بين "قوى الحرية والتغيير" و"لجان المقاومة" عبر لجنة العمل الميداني. وأوضح عضو اللجنة معز عبدالوهاب، أن هيكلة اللجان تختلف من مكان لمكان، وهي رهينة للجان نفسها، لأن بعضها "يعمل وفق مركزيات هيكلية وبعضها عبر تنسيقيات غير هيكلية، ولكن في النهاية لا توجد هيكلة موحدة".

مصادر التمويل

ويقول خالد، إنهم يعتمدون على اشتراكات الأعضاء والتبرعات التي تعتبر المصدر الأساسي للتمويل ويتم جمعها بواسطة أعضاء في اللجان، وتذهب في الأعمال الخدمية بسيطة التكلفة، مثل حملات النظافة، أما الأعمال الكبيرة فيتم التنسيق بشأنها مع الجهات الحكومية.

أحد أعضاء لجان الخرطوم، والذي طلب عدم ذكر اسمه، قال إنهم يتلقون تبرعات من سكان المدينة والتجمعات المهنية والنقابية إضافة إلى أعضاء لجان المقاومة المغتربين، مشدداً على عدم قبولهم أي تبرعات من أي جهات خارجية.

الدور المرحلي

بعد الثورة، تحول دور اللجان إلى مراقبة سير الحكومة الانتقالية، وتوصيل الخدمات، لكن ليس هذا فقط هو الدور الذي تلعبه وفقاً لخالد، الذي أوضح أن هناك 3 مبادئ أساسية تحكم عمل اللجان، أولاً، نشر الوعي الديمقراطي، ثانياً ضرورة إشراك جميع شرائح الشعب في الحكم وحماية الثورة، ثالثاً المساعدة في تقديم الخدمات للمواطنين.

وأوضح خالد أن المبدأ الثالث يتم تحقيقه عن طريق مكتب الخدمات الذي يتضمنه الهيكل التنظيمي للجان المقاومة، ويعمل المكتب على إيصال المشاكل للمسؤولين وحصر السكان، وتوصيل الخدمات بالتنسيق مع الحكومة والمساعدة في العمل الطوعي، وهو دور يكاد يقترب من نفس مهام "لجان البشير" قبل تحول دورها في نهايات عهده.

ويقول عضو الأمانة السياسية والمكتب الميداني إن عمل اللجان واضح وهو عدم السماح بالتباطؤ في تحقيق أهداف الثورة، وهم يقدمون مقترحات للحكومة عبر تنسيقية قوى الحرية والتغيير، وبهذا يتحقق مبدأ إشراك الشعب في الحكم.

ويشير عدد من منسوبي لجان المراقبة، إلى أنهم يعملون على ضمان استكمال تحقيق أهداف الثورة، عبر متابعة عمل الحكومة خلال الفترة الانتقالية، وتنظيم الاحتجاج في حال رصدهم لتقصير أو خلل، منوهين بدور لجان مقاومة مدينة عطبرة، في إقالة والي ولاية نهر النيل المكلف، بسبب تواطؤه مع بقايا النظام السابق. كما تنظم بعض هذه اللجان ندوات عامة بغرض التوعية بأهمية الحكم المدني الديمقراطي، وبعضها أسس منتديات دورية لمناقشة القضايا الملحة، الخاصة بالمنطقة، والتي تهم جميع البلاد.

وأشار بعضهم إلى أن الحكومة نفسها لجأت إلى "لجان المقاومة" في وقت الأزمات، مثلما حدث عندما طلب وزير الصناعة والتجارة مدني عباس تدخلهم في معالجة أزمة الخبز.

تجاوب الشارع

ورغم هذه الدور الخدمي والرقابي، إلا أن بعض المواطنين ينتقدون قلة خبرة "لجان المقاومة" ويرون أنها سبب للصدام مع الجماهير. سعيد عباس (40 عاماً)، قال لـ"الرؤية" إن أفرادها غير مؤهلين لخدمة الجماهير بسبب قلة خبرتهم وهو ما تسبب في اصطدامهم مع الناس فحدثت أزمات كثيرة وتم اتهامهم بالتعدي على مواطنين أو استغلال السلطة في توزيع الدقيق أو عند محطات البنزين، على حد قوله.

ويرى صهيب خالد أن بعض هذه الاتهامات صحيح بسبب قلة خبرة أعضائها، ولكن هذا لا يعني فشلها، حيث تصوب أخطاؤها مع التجارب، مشيراً إلى أن تجاوب الشارع مع اللجان كان بنسبة فاقت 70%، وهي تلقى سنداً كبيراً من أغلب سكان الأحياء.

سهام حسن (54 عاماً) قالت لـ(الرؤية) إن اللجان الآن تعمل بشكل جيد وهي تساعد في تقديم الخدمات وإدارة الأزمات في الأحياء من حيث النظافة وكشف بقايا النظام السابق الذين يعملون على عرقلة مسيرة الحياة.

مصير ومستقبل "لجان المقاومة" يبقى غير واضح، فبعد الفترة الانتقالية للمجلس السيادي الذي يدير البلاد لمدة 3 سنوات منذ أغسطس 2019، سيتعين إجراء انتخابات في البلاد ومن غير المعلوم كيف سيتم التعامل مع هذه اللجان، حيث يطالب البعض باختيار ممثلين منهم في عضوية المجلس التشريعي الانتقالي عقب اكتمال ترتيبات السلام، والبعض يرى ضرورة احتفاظها باستقلاليتها حتى لا تفقد شعبيتها، بينما يتخوف آخرون من تحول في دورها واستغلالها من قبل السلطة كما حدث مع "لجان البشير".