الجمعة - 13 سبتمبر 2024
الجمعة - 13 سبتمبر 2024

كاتب تركي: رهانات أردوغان الخاسرة وراء مجزرة قواته في إدلب

كاتب تركي: رهانات أردوغان الخاسرة وراء مجزرة قواته في إدلب

عائلات تركية تبكي على نعوش قتلاها من الجنود الأتراك في سوريا.(إيه بي إيه)

نظراً لعمق المستنقع السوري، كان من الواضح منذ البداية أين وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رهاناته السياسية والعسكرية، بكل ما انضوت عليه مقامرته من مخاطر كامنة.

وقال الكاتب التركي ياوز بيدر في مقال بموقع «أحوال تركية» إن مقتل 33 جندياً تركياً في إدلب، خلال غارات جوية سورية محسوبة جيداً على ما يبدو، جعل هذه المجزرة نتيجة مباشرة لمقامرة أردوغانية تفتح مرحلة جديدة في القصة المأساوية.

وأضاف أنه يمكن اعتبار تلك الواقعة واحدة من أصعب الأحداث المأسوية في التاريخ التركي الحديث، وربما لا تضاهيها سوى خسائرها في الحرب الكورية التي شاركت فيها قوات تركية تلبية لقرار من الأمم المتحدة عام 1950 بطلب تقديم مساعدة عسكرية لكوريا الجنوبية بعد هجوم من كوريا الشمالية.

ومع ذلك، يصعب قياس الحجم الحقيقي للصدمة والرعب لدى الأتراك، إزاء ما حدث في إدلب.

يعود ذلك لسببين: الأول يتعلق بوسائل الإعلام التركية الداخلية المصابة تقريباً بالشلل، إذ تحجب الأخبار بشكل منتظم من ساحة المعركة، فضلاً عن الحظر الصارم المفروض على شبكة الإنترنت، في اليوم التالي للمذبحة.

أما السبب الثاني: فيتمثل في أن المزاج الداخلي في تركيا غارق الآن، في جنون القومية، على امتداد الشرائح الأيديولوجية المختلفة.

هذه الأجواء من صنع أردوغان، فقد قام، دون هوادة، بتأجيج هذا الشعور لدى الأتراك، لتأمين ترسيخ السلطة المطلقة وللتغلب على المعارضة الضعيفة من الأساس.

وبعد المذبحة التي تعرضت لها القوات التركية في سوريا، تبرز نقطة واحدة تكرس فكرة أن سياسات أردوغان في المنطقة ومواقفه غير الدبلوماسية محكوم عليهم بالفشل.

والسؤال الوحيد المتبقي: هو متى سينهار هذا النهج؟

وقال الكاتب بيدر، الذي نشر مقالات أيضاً في نيويورك تايمز والجارديان وصحف غربية أخرى، إن جزءاً من مقامرات أردوغان اللانهائية يتمثل في الاستمرار في السلطة، من خلال أزمة مستدامة تلو الأخرى، وعند الضرورة يعمد إلى توسيع وتمديد نطاق شرعيته، استناداً على مستجدات الظروف الصعبة، ربما، لم يستوعب العالم ذلك، ولهذا فالأمر يستحق التكرار: عقلية أردوغان من النوع الذي تمكنه من أن يكون في أفضل حالاته، عندما تسود الفوضى من حوله، بل إنه يتألق.

لا يزال الغرب، لا سيّما الاتحاد الأوروبي، منعزلاً، أو على الأقل منخدعاً، لكن ربما أدرك الروس مدى «خداع» أردوغان لهم، فبالنسبة لموسكو، ظل الرئيس التركي إسفيناً مفيداً لإضعاف كل من: حلف شمال الأطلنطي (ناتو)، والاتحاد الأوروبي، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا هو ترامب (الرئيس الأمريكي) ولا هو ميركل (المستشارة الألمانية)، عندما يتعلق الأمر بغض الطرف.

ومن خلال مساعدته الرئيس السوري بشار الأسد، انتظر بوتين بصبر لمعرفة ما إذا كان أردوغان سيفي بوعده بتطهير المنطقة من الجماعات الإرهابية الجهادية.

وعندما أدرك أنه يتلاعب به، لأن الخداع هو نمط سلوكه المتكرر، أطلق بوتين تحذيراته من أي حرب مع القوات السورية، ثم انتهى المشهد على النحو الدموي الذي تابعناه.

ولا تدع مواقف روسيا، على مدار السنوات التسع من عمر الصراع السوري الممتد، مجالاً للشك، فمهما حدث، لن يؤثر شيء في شراكة سوريا الاستراتيجية مع حليفتها موسكو، كما أن الوضع سينتهي بأن تتحول سوريا إلى مقبرة للجهاديين المسلحين.

ولا يوجد ثمة ما يؤشر على أن روسيا ستقدم تنازلات لتركيا قد تلحق الضرر باستراتيجيتها في سوريا.

موسكو في نهاية المطاف هي الجدار الذي اصطدم به أردوغان، وهو يقود مغامراته بأقصى سرعة له.

وأشار الكاتب إلى أن الرئيس التركي سيظل، كما عرفه العالم، يشعر بالعد التنازلي لرحيله عن السلطة، يدرك أنه محاصر وما من مخرج له، لكنه يمضي قدماً، ينبغي عليه ذلك، في تعزيز قضيته الرئيسة المتمثلة في مساعدة الجهاديين في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، هذا هو سبب وجوده!

لذلك أقدم أردوغان، ومستشاره السابق أحمد داود أوغلو، على تغيير النظام في سوريا، ولذلك أيضاً، أرسلت تركيا الآلاف من القوات التركية إلى الأراضي السورية.

ومثلما يرى خصومه، ما دام بقي أردوغان في السلطة، فإن العالم لن يعمل على اجتثاث هذا النموذج المحتكر للإسلام السياسي، الذي يهدد تطبيع الأوضاع في العالم الإسلامي.

ما هي الخطوة التالية لأوردغان بعد مجزرة القوات التركية؟

سارع بدعوة حلف الناتو لمساعدته من كثب في حربه الشخصية المنخرط بها في سوريا، كما بث تهديداته للأوروبيين، من خلال السماح بتدفق اللاجئين عبر الحدود الغربية لبلاده.

ومن غير المتوقع أن ينتهي رهان أردوغان على حلف الناتو على النحو الذي يأمله.

فواقع الأمر أن القوات التركية تخوض حرباً على الأراضي التي غزتها، ومن ثم ليس هناك سبب منطقي يدعو الناتو للانضمام إلى مغامرة أردوغان، والخبراء رأيهم حاسم بشأن المادة الخامسة من معاهدة الناتو، التي يؤكدون أنها لا تنطبق على حالة إدلب، وفي أحسن الأحوال، قد يتم نشر بعض الصواريخ في مقاطعة هاتاي المتاخمة.

كذلك، لا ينبغي على الاتحاد الأوروبي الرضوخ، إذا ما قرر أردوغان استخدام اللاجئين الفقراء كبيادق في لعبة الشطرنج التي يمارسها، فيجب أن يتمثل الرد في تحصين هائل للحدود اليونانية والبلغارية ودوريات بحرية مكثفة.

وخلص الكاتب إلى أنه ينبغي أن يكون الخيار العملي لكل من: حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي، هو دعوة أردوغان لسحب قواته على الفور من سوريا، عندئذ تبدأ عملية حل أزمة اللاجئين في كل من: سوريا، وتركيا، ولبنان، والأردن، بشكل متكامل.